التسويقثقافه تسويقيه

نحو ثقافة تسويقية (5) (المسؤولية الاجتماعية للشركات السعودية 2)

أهمية المسؤولية الاجتماعية للشركات النشاط الاجتماعي للشركات ذو مردود مزدوج، فكما أنه يعود بالفائدة على المجتمع فإنه مفيد للشركة أيضًا، ولا نستطيع هنا حصر المنافع المتبادلة في هذا المجال بين المجتمع والشركة، ولكن حسبنا أن نشير إلى بعضها، فمنها من جانب الشركة:

1- توفير بيئة عمل ملائمة

أيء أن أيّ شركة توجد في محيط مجتمع ما، وتعمل في بيئته تحمل على عاتقها مسؤولية معنوية تجاهه؛ مما يوجب عليها الإسهام في تطويره وحل مشاكله، وهي مسؤولية أخلاقية ذات أبعاد متعددة تتعلق – في الجانب الداخلي منها – بالإجابة على بعض الأسئلة المهمة التي منها:

@ هل تنتج الشركة السلع والخدمات التي يحتاجها الناس؟

@ وهل توفر هذه الشركة وظائف للمجتمع المحلي؟

@ وهل الرواتب التي تدفعها للعاملين مجزية وعادلة؟

@ وهل توفر بيئة عمل جيدة؟

والإجابة على هذه الأسئلة تحتاج إلى استشعار حقيقة أنه وكما أن المجتمع (وخاصة أفراده العاملون) محتاج إلى الشركة فإن الشركة أيضًا محتاجة إلى المجتمع وإلى أفراده العاملين بها مثل حاجتهم إليها أو أكثر، وبالتالي ينبغي أن ترفع مستوى علاقتها بهم إلى ما يتجاوز العقد المبرم، وتمنحهم ما يستحقونه من تقدير.

ولا شك أن العاملين وهم ينتظمون في سلك الشركة وينخرطون في خدمتها يحملون في أذهانهم توقعات يودون أن يحصلوا عليها مقابل خدمتهم، فهم يتوقون إلى الوصول إلى مستوىً معين من الرفاهية المعيشية، ويتوقون إلى العدل في التعامل وإلى تطوير مهاراتهم، ويحلمون بأن يستمتعوا بأوقات فراغهم. لذا يجب على الشركات أن تكون على مستوى هذه التوقعات، وأن تعمل على تطوير العاملين لديها، وتُشعر موظفيها بالأمان، وتحرص على نشر العدل بينهم، وأن تهتم بإعطاء الأقليات حقوقهم.

وهناك نماذج كثيرة للشركات التي اهتمت بهذا الجانب، وعملت – بمشاركة أفرادها – على بناء نظام متكامل يقوم على أسس أخلاقية متينة، ويراعي النواحي الثقافية والاجتماعية للعاملين لديها، مما يقودها إلى الإسهام في تطوير مجتمعاتها والاضطلاع بدور المسؤولية الاجتماعية تجاهها من خلال إيجاد بيئة عمل جاذبة تُعزز شعور الانتماء والولاء للشركة.

كما يقوم بتفعيل التواصل بين الشركة ومجتمعها الخارجي منعًا لسوء الفهم، ولضمان معرفة أفضل ببرامج الشركة وأنظمتها وما تقدمه من خدمات لموظفيها وللمجتمع المحيط بها، مما ينعكس حتمًا على سمعة الشركة ومكانتها بين أفراد المجتمع، ويؤدي – بالتالي – إلى تحقيق الأرباح.

2- بناء صورة ذهنية إيجابية للشركة

من النتائج المترتبة على قيام الشركة بمسؤوليتها الاجتماعية على الوجه الأكمل تحسين صورتها الذهنية لدى العملاء والمتعاملين معها، كما مع الموردين والأجهزة الحكومية والشركات الأخرى ومجموعات الضغط (النقابات ومنظمات حقوق الإنسان…الخ).

وأحب هنا أن أكد على جانب مهم من هذه المسؤولية وهو المتعلق بمسؤولية الشركة تجاه عملائها فيما يتعلق بإعطاء قيم مضافة لهم مقابل نقودهم، مثل خدمات ما قبل وأثناء وبعد البيع، والاهتمام بشكاواهم، واختيار رسائل الإعلان غير المضللة والمناسبة لذوق المجتمع…وغير ذلك.

وهذه القيم المضافة لا شك أنها ستمنح الشركة أفضلية لدى المجتمع، كما تجعل أفراده أكثر قابلية للتعامل معها بكل سهولة ويسر.

ومن المعروف أن العملاء يُقبلون على الشراء من الشركات التي يتعاطفون معها أكثر، ويحرصون على التعامل معها. وتلك هي الثمرة الأهم التي تجنيها الشركة من تحسين صورتها الذهنية في أذهان الجمهور من خلال أدائها لواجبها الاجتماعي نحوه.

3- ارتفاع سعر أسهم الشركة

عندما تقوم الشركة بأداء مسؤوليتها الاجتماعية فهي تبني شعورًا بالثقة لدى المتعاملين معها، فهي من خلال معاملتها العادلة، وصدقها في البيع والشراء، وتيسير طريقة الدفع وتحصيل الديون، والمنافسة العادلة، والمحافظة على حقوق الملكية الفكرية للغير؛ تبدو للأطراف الأخرى أهلاً للثقة، وتتشكل لديهم قناعة بأن مخاطر التعامل معها ستكون أقل، وبالتالي يطمئنون أكثر للتعامل معها، ولكل ذلك انعكاسُه على القيمة السوقية لأسهم الشركة، ومدى إقبال المستثمرين على الاستثمار فيها. وهذا يفسر لنا ما نلحظه أحيانًا من إنفاق بعض الشركات الكبرى للمبالغ الطائلة في سبيل خدمة المجتمع سعيًا إلى تحسين صورتها واكتساب سمعة مثالية بين أفراده.

4- المحافظة على البيئة

الشركات لديها مسؤولية أخلاقية تجاه الموارد الطبيعية في الأسواق التي تعمل بها، وهي مسؤولية نابعة من مسؤوليتها تجاه المجتمع الذي تعمل فيه والذي يعتبر حقه في موارده الطبيعية من حقوقه الأساسية، مما يوجب على الشركة المحافظة عليها سليمة نقية، كما يجب على الشركة احترام البيئة المحيطة والابتعاد عن كل ما يلوثها، بل يجب عليها أن تسهم بفعالية في تنقيتها من الشوائب والملوثات، وأن تكون عونًا للأجهزة الحكومية المختصة بما يضمن تنقية البيئة من الإزعاج والنفايات ومشاكل الزحام المروري وكل ما يهدد سلامة السكان أو يؤثر على المباني والمركبات وغيرها. ولكل ذلك أثرُه على سمعة الشركة وزيادة أرباحها.

5- الإسهام في حل المشاكل الاجتماعية للسكان

لا شك أن تَقَبّل المجتمع للشركة وإقبال أفراده على شراء منتجاتها يتناسبان طرديًا مع ما تستثمره من أموال وعنصر بشري من أجل حل المشاكل الاجتماعية للسكان من خلال برامج خدمة المجتمع، كالمساعدة في تطوير أنظمة التعليم ودعم العمل الخيري، وما تسخره من خبراتها العلمية والفنية والتقنية في سبيل تحسين معيشة السكان وحل مشكلاتهم.

6- إتاحة فرصة أكبر للتوسع

فمع الاهتمام بالانتشار العالمي للشركات، والانفتاح التجاري بين الدول بعد تطبيق أنظمة التجارة العالمية، وطموح كثير من الشركات إلى الوجود في بعض الأسواق العالمية المهمة فإن اضطلاع الشركات بمسؤوليات اجتماعية يتيح لها قبولاً أكبر لدى مزيد من الشعوب ويفتح لها أسواق العالم التي تولي أهمية متزايدة للجانب الاجتماعي في العمل التجاري مثل المحافظة على البيئة ورعاية حقوق الإنسان والعناية بالصحة العامة وغيرها من الأمور التي تكتسب أهمية بالنسبة لهذه المجتمعات، خاصة أن المجتمعات المتحضرة تتوقع الكثير من الشركات العاملة في أسواقها سواء تعلق الأمر بما تقدمه من خدمات أو تعلق بسلوك الشركة في الإنتاج والتسويق.

7- الحماية من بعض المخاطر القانونية

فنتيجة للتطور التكنولوجي الهائل، وخاصة في مجال الاتصال والبث الإعلامي، أصبح العالم أكثر ارتباطًا، وأصبحت هناك كيانات عابرة للقارات والدول تعنى بالبيئة وحقوق الإنسان وحماية المستهلك، كما أصبحت المنظمات الدولية وجماعات الضغط أكثر قدرة على المراقبة والتأثير وإيصال رسالتها إلى أكبر عدد من المهتمين، مما يجعل تقصير الشركات في مسؤوليتها الاجتماعية في أي مجتمع حتى ولو كان مجتمعًا محليًا يكون له صدًى عالمي يؤثر على سمعة الشركة ومكانتها في دول ومجتمعات أخرى، وربما يعرضها لمتابعة قانونية خارج الحدود إذا تعلق الأمر بأضرار بيئية أو انتهاك لحقوق الإنسان أو تعد على الحقوق الفكرية أو تجاوز لضوابط المنافسة القانونية.. إلى غير ذلك من أبعاد كثيرة للنشاط الاجتماعي للشركات يطول ذكرها ولا يتسع لها المقام.

ونحن – رغم كل ما سبق – نعترف ونقر بأن الهدف الأساس لأي شركة هو تحقيق أرباح تعود بالفائدة على المساهمين وأصحاب الشركة، وهو حق مكفول لهم ولها طالما التزمت الشركة بالقوانين وأخلاقيات العمل المطلوبة التي يجب أن تحكم عملها وتوجهه وترشده بناءً على مرجعية معتبرة سواء كان منبع هذه المرجعية هو المجتمع الإنساني ككل، أو كان منبعها مجموعة بشرية معينة ما دامت واقعة في الحيز الذي تعمل فيه الشركة.

والمسؤولية الاجتماعية للشركات التي نطالب بها ما هي إلا دعوة إلى التوازن بين إعطاء المجتمع حقه من الرعاية والاهتمام والتنمية المستدامة وبين تحقيق رغبات أصحاب المصالح في الشركة كالمساهمين والمديرين في تحقيق الربح.

ونعترف أيضًا بأن الشركات هي محرك الاقتصاد وصانعة الوظائف، وبالتالي يجب أن تحقق الربح المنشود، وأن تتطور باستمرار حتى تستمر في أداء دورها، لكننا ندعي بأنه وبدون أخلاقيات العمل لا يمكن أن تتطور هذه الشركات ولا أن تستقر أعمالها ما دام المتعاملون معها لا تمتلئ نفوسهم بالثقة بها ويشعرون بخطورة التعامل معها أو تأنيب الضمير عند شراء منتجاتها أو استعمال خدماتها.

د. عبيد بن سعد العبدلي

مؤسس مزيج للاستشارات التسويقية والرئيس التنفيذي أستاذ جامعي سابق بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن

مقالات ذات صلة

‫5 تعليقات

  1. تحياتي دكتور

    أشكرك على هذه المعلومات الثرية صراحةً أحلم ونحلم جميعاً بأن نرى الشركات والمؤسسات الحكومية والخاصة في المملكة تتبنى تطبيق هذه النشاط الإجتماعي والذي أقره ديننا الإسلامي من قبل مئات السنين حيث كان الإسلام سباقا في تحديد عناصر مسئولية المسلم الاجتماعية في هذه الحياة , بما وضع له من منهج قويم ينظم حركته فيها , ومن أسس هذا المنهج أن يكون للفرد الدور الخلاق في المجتمع الذي يعيش فيه.

    نبدأ من أبسط الأمور فقد يكون الإنسان ممن يحافظ علي الصلاة في جماعة , ويقرأ القرآن الكريم ولكن علي أثر مشاجرة بين أصدقائه, إذا طلب منه أهل الخير المشاركة في الصلح بين المتخاصمين , يرفض الحضور معهم , بحجة البعد عن المنازعات , لقد ابتلي الإسلام خلال هذا العصر بمسلمين أصابهم القصور في الفهم , وحصرنا هذا الدين العظيم في ركعات , قد تؤدي في رتابة بلا روح , والحقيقة أننا لو قرأنا وتمعنا في كتاب الله عزوجل , وسنة الحبيب صلي الله عليه وسلم بوعي , لتغيرت أحوالنا الراهنة إلي أحسن الأحوال ولو طبقت هذه الأفكار بالشكل الصحيح ستساهم بكل تأكيد لدعم إنطلاقة مجتمعنا نحو العالم الأول وبسرعة الصاروخ وسنعود كأقوى إقتصاد في العالم وفي رأيي المتواضع أرى ضرورة التركيز على هذا الجانب وأن يتم تغطيته بشكل أكبر لو أردنا النهوض.

    تحضرني قصة بيل جيتس , عندما زار مصر في السنوات الأخيرة , وعند سؤاله عن ثروته , فقال : إن ثروتي بسبب المجتمع , وسوف تعود للمجتمع , من خلال تمويل مؤسسات بحث علمي طبي , لعلاج الأوبئة والأمراض المستعصية , وتمويل تطوير التعليم , ولا أعتقد أنني سوف أترك ورائي أموالا لورثتي (تخيلوا ماذا يقول وهو غير مسلم). وهي كلمات تحتاج لمزيد من نظرة التأمل , من أثرياء العالم , وخاصة من أغنياء المسلمين شركات وأفراد , بمر اعاة الظروف القاسية , التي تكاد تعصف بالعديد من المجتمعات , التي ينتمون إليها والله أعلم.

  2. د. عبيد أشكر لك هذا الطرح الشيق فمازال الكثير فى وطننا العربي لديهم خلط بين العمل الأجتماعى والمسئولية الأجتماعية .. ننتظر منك المزيد فى هذا الجانب

  3. يعطيك العافية يادكتور عبيد العبدلي على الكتب الرائعة التي والله نحن في حاجة لها وامس الحاجة خاصة في السعودية لاننا لا نعرف التعامل ولا نعرف حتى نبيع اتمنى ان يستفيد من هذ الكتب واتمنى ان تدرس في الجا معات والدورات وهذا قليل في حقك لانك عندك فكر وانشاء الله ان توصل لانها تنصب في فقة المعاملات ولك خالص احترامي .

اترك رداً على ashraf.halawani إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق