لقاء صحفي عن التسويق
يتخذ السوق السعودي موقفاً سلبياً من التسويق، وذلك ما يجعله متأخراً بخطوة وربما خطوات عن الأسواق التي تتعامل معه باحترام يناسب دوره الحيوي في العمليات التجارية والنشاط الاقتصادي بصفة عامة، وذلك يعود الى العقلية الكلاسيكية والنمط الاقتصادي السائد في السوق باعتماد أسلوب قديم في عمليات البيع والتعامل مع العملاء والمستهلكين وهو الأسلوب الذي تجاوزه العصر والواقع التنافسي الذي يتطلب أداءً اقتصادياً أفضل من الموجود حالياً.
وفي الواقع أصبح التسويق علماً ومنهجاً عصرياً، لأنه من العمليات الأساسية في النشاط الاقتصادي المعاصر، وذلك ما جعل الجامعات السعودية تضطلع بمهمة تدريسه في أقسامها الاقتصادية وتستقطب لدراسته كثيراً من الشباب الطموح، الذي أثمر بالفعل عن موظفي تسويق أكدوا حضورهم من خلال دراستهم ومواهبهم في الاقناع وتنشيط حركة المبيعات وتطوير مجمل العملية التسويقية، وفي هذا الحوار يتحدث الدكتورعبيد سعد العبدلي أستاذ التسويق عن الأهمية القصوى للتسويق في الحركة الاقتصادية وتطوره، مع الوضع التنافسي الجديد للسوق السعودي ودور الشباب السعودي في ملء الفراغ التسويقي بخبراتهم وقدراتهم.
ما الذي نقرأه عنك في بطاقتك؟
أعمل أستاذاً للتسويق بجامعتي الملك فهد للبترول والمعادن والأمير سلطان، وحالياً أعمل مستشاراً لمدير الجامعة الى جانب رئاسة تحرير طيف الجامعة، وأنا عضو مؤسس في الجمعية السعودية للتسويق ولدي مؤلفات في التسويق، حيث أؤمن إيماناً تاماً بأن علم التسويق يجب أن يتم تبسيطه للشباب السعودي، ولذلك أخذت على عاتقي إصدار سلسلة “نحو ثقافة تسويقية” تتكون من عشرة كتب بدأتها بأخلاقيات التسويق والتعامل مع العملاء وخدماتهم والبيع بالتلفون والبيع الشخصي.
ما هو التعريف العلمي للتسويق؟
للتسويق تعريفات كثيرة، ولكنه ببساطة هو معرفة حاجيات ورغبات العميل والمحاولة لتحقيقها.
وهل هذا المفهوم يمكن أن يتغير؟
لا، لن يتغير، لأنه منذ أن بدأت ممارسة التسويق، كانت هناك رغبة وحاجة للمستهلك، تعمل الشركات والمؤسسات على تحقيقها، ولكن الوسائل تتطور، فما كان يرضي العميل قبل خمسين سنة لايرضيه الآن .
ما هي أركان علم التسويق؟
المستهلك هو الأساس وكل محاور علم التسويق لا بد أن تصب في خدمة هذا المستهلك، إلى جانب شركة أو منتج يحقق رغباته، فالعميل هو الأساس.
ما هو التطور الذي حدث في السوق الخليجي من خلال متابعاتك في السنوات الماضية؟
منذ عشر سنوات أو أقل، كانت هناك عبارة دارجة في فواتير البيع، وهي “البضاعة المباعة لا ترد ولا تستبدل” والآن اختفت هذه العبارة حيث أصبح بالإمكان ردها واستبدالها، وذلك من تأثير الشركات العالمية على شركاتنا، فهذا تطور من ناحية، ومن ناحية ثانية لا يزال علم التسويق غير معروف في أغلب الشركات السعودية، التي تخلط بين التسويق والبيع والذي يعتبر بدوره جزءاً بسيطاً جداً من التسويق، وقد لا يكون أهم شيء فيه، ومؤخراً أطلقنا في جامعة الأمير سلطان ملتقى “الإبداع التسويق الثاني” في الرياض، وجمعنا فيه أغلب المسؤولين عن التسويق في الشركات السعودية وخرجنا بتوصيات مفادها ان التسويق في المملكة لابد أن يتغير الى الأفضل، لأننا نحتاج التسويق في تطوير بلدنا وشركاتنا.
وكيف ترى اعتماد الشركات السعودية والخليجية على التسويق بمفهومه الصحيح؟
لاتزال شركاتنا السعودية تنقصها الرؤية الواضحة للتسويق، فهي تحاول وتجتهد، ولكن لا تقوم أغلب قراراتها على تحقيق رغبات المستهلكين، فخدمات العملاء لدينا لاتزال في بداياتها، والموظفون قد لا يعطون العميل أي اهتمام، وذلك ما يجب أن يتغير، لأن المنافسة قادمة بعد الانضمام لمنظمة التجارة العالمية، والظاهرة المنتشرة الآن أنه في كثير من الشركات هناك لوحات للتقبيل، وهي كلمة غير لائقة، تعني أن هذا المحل وراءه شخص فاشل لم يدرس عمله ولم يهتم بالتسويق، فعلى شركاتنا أن تركز على بحوث التسويق وتهتم به.
ما هو الذي ينقص الشاب السعودي حتى يدخل مجال التسويق برؤية واضحة؟
القضية تتمثل في أني كمستهلك أريد شخصا ارتاح له، فهل هذا الشاب عندما جاءني كمدير تسويق لشركة ما، قام بأعماله على أكمل وجه؟ وهل درس الشركة ومنتجاتها؟ لأن المعرفة قوة، وبدونها لا يمكن للشخص ان ينجح.
هل تختلف مفردات علم التسويق وأدواته باختلاف السلع؟
الأساسيات واحدة، سواء كنت تبيع صاروخاً او بيبسي تتلخص في الرغبات، فمن يشتري الصاروخ له رغباته، ومن يشتري البيبسي له رغباته، ولكن الأدوات تختلف.
بالنسبة لقطاع العقار، هل استخدم التسويق بشكل سليم؟
اعتقد أن التسويق العقاري يمر بطفرة جيدة، لأن العقلية التي تدير القطاع حالياً غير العقلية القديمة، حيث بدأ استخدام الوسائل والرسائل الصحيحة وأخذ التسويق العقاري بالفعل دوره بشكل ملموس وآخر ذلك المعرض العقاري الذي تم تنظيمه مؤخرا في الرياض الذي عكس تطورا حقيقيا في هذا المجال، وبدأ شباب سعوديون يدخلون المجال وهم ملمون بأدوات العصر.
ما هي الثمار التي يمكن أن يقطفها القطاع العقاري من الاستخدام الأمثل للتسويق؟
أهم الثمار تتمثل في تحقيق رغبات المستهلك وحاجته للمسكن وذلك ماعرفه السوق العقاري، فتكونت لدى العقاريين خبرات تسويقية جيدة تساعدهم في إصدار قرارات صحيحة.
كم أنفقت الشركات الخليجية على الإعلان خلال الخمس سنوات الأخيرة؟
السوق يقوم على المعلومات والإحصائيات وللأسف السوق السعودي والخليجي لا تزال تنقصه هذه المعلومات، ولكن بحسب متابعتي، فإن حجم سوق الإعلان في السوق السعودية في نطاق ثلاثة مليارات ريال، وذلك على المستوى العالمي قليل جداً، ففي أمريكا يتم إنفاق 500 مليار دولار في السنة، وذلك يعني أننا لا نزال في بداياتنا.
كيف يمكن توفير قطاعات تتابع المعلومة وتوفرها؟
دائما شركات البحوث والتسويق يجب أن تتواجد ولا زلنا في السعودية نفتقد مثل هذه الشركات، وبعضها موجود على استحياء، ولا يدار بأساليب صحيحة، فالتاجر والعقاري في حاجة للمعلومة، ولا يجدانها بينما في الغرب هذه المعلومات متوافرة بكثرة.
هناك مقولة مضمونها أن التاجر الشاطر يوفر 99 في المائة من رأسماله للإعلان و1 في المائة لنشاطه، فإلى أي مدى تعتبر ذلك صحيحا؟
إذا كان لديك أفضل منتج في العالم، ولم يعرف به العميل، فأنت الخاسر ولذلك لدينا في التسويق أربعة مفاهيم هي: منتج جيد، وسعر مناسب، ومكان، وترويج للمنتج، فإذا لم يكن لديك إعلان يوصل المنتج للمستهلك فلن تجد من يشتريه والمقولة صحيحة نسبياً، وإذا كان لدي مليون ريال فبالضرورة أن أنفق منها ما لا يقل عن 500 ألف ريال في الإعلان عن المنتج.
كيف ترى انعكاسات تدريس التسويق في الجامعات الخليجية؟
ممتاز، وخريجو الجامعات هم الذين يقومون الآن بعمليات التسويق، وهم شباب مؤهلون جداً، ولديهم ما يمكنهم للعمل في شركات عالمية واعتقد أن تبني الدولة السعودية لتدريس علم التسويق على أصوله في الجامعات أعطى ثماره بالفعل، وسيعطي ثماراً أكثر في المستقبل القريب إن شاء الله.
وهل لديك إحصائية بأعداد الشباب السعوديين الذين يتولون إدارات التسويق في الشركات؟
ليست لدي إحصائية، ولكن لدي (أحدية)، يحضرها أكثر من 30 شاباً يديرون التسويق في شركات كبيرة.
هل تعتقد أن منطقة الخليج تأخرت كثيرا في اعتماد التسويق ؟
نعم، تأخرت كثيراً، فهناك حاجة لتوصيل منتجاتنا للأسواق العالمية ولذلك لابد من تطوير علم التسويق لنصل الى العالمية.
كيف يمكن الربط بين قسمي التسويق والعلاقات العامة؟
العلاقات العامة جزء من التسويق، لأنها معنية بتحسين الصورة الذهنية عن الشركة أو المؤسسة، وربطها بالمجتمع، ولكنها لدينا تقوم بالضيافة والاستقبال والتوديع، في حين أن دورها أكبر من ذلك بكثير، إذ لابد من دراسة الرأي العام ومعرفة وتقصي ردود الفعل عن منتجات الشركة ولذلك يجب علينا في السوق السعودي معرفة العلاقات العامة.
ولكن مما يبدو أنه لا علاقة بينهما..
وهذا خطأ، لأن الإعلانات جزء مهم جداً من التسويق، ففي أمريكا تنفق الشركات الأمريكية ملايين الدولارات حتى يكون لها ممثلون في واشنطن يؤثرون على أصحاب القرار والعلاقات العامة تلعب دوراً كبيراً في إلغاء أو تحسين هذا القرار.
وهل العاملون في مجال التسويق يدركون مصطلحاته أم أن العشوائية تسيطر على المجال؟
الشباب المتخصصون ممتازون جداً، وينافسون حتى الأوروبيين والأمريكيين، وأعرف شباباً سعوديين أفضل بمراحل من غيرهم، لأنهم أدرى بالمنطقة والعادات والتقاليد، ولديهم الخبرة اللازمة والكافية، ولذلك فمن يعمل بالتسويق في السعودية يجب أن يكون ملماً بالسوق السعودي .
هناك شركات تفضل الخبرة على التسويق.. كيف ترى مستوى هذه الشركات؟
لن تستمر هذه الشركات في النجاح وفي السوق السعودية لدينا نظريتان هما: السوق البائع، حيث عندما يكون المطلوب أكثر من المعروض فأتحكم وفقا لذلك كبائع، والآن بعد دخول المنافسة، ظهر السوق المشتري ولذلك فإن الشركات التي لا تعترف بالتسويق ستكتب للتقبيل لعدم التفرغ.
كيف ترى إقبال الشاب السعودي على التسويق من واقع افتتاح أقسام له في الجامعات؟
في الحقيقة كان لدي في الجامعة عرض يقدم فيه الشباب أفكاراً جديدة ومبتكرة للتسويق، وقدموا عروضاً ممتازة للغاية، وهم الذين سيديرون أكبر الشركات لدينا بإذن الله.
ماذا تقول للذين يفتقدون الخبرة التسويقية؟
بالطبع نحن في عصر تتوافر فيه المعلومات بكثرة، ومن خلال الإنترنت يمكن معرفة آخر المستجدات في نطاق الأعمال المختلفة من خلال المؤتمرات والمعارض، ولا عذر لعدم الحصول على المعلومة، وأنصح الشباب بدخول دورات متخصصة والإطلاع من خلال الدوريات والمجلات والنشرات والكتب.
ما هو رأيك في إعادة هيكلة جمعية المستهلك؟
دائما ما نقول أن للمستهلك حقوقاً وواجبات لابد ان تعرف وتصان، وحقه الأول هو المعرفة بمعرفة المنتج الذي يرغب في شرائه، وحقه الثاني هو السلامة، بحيث يكون المنتج آمناً في استخدامه، وحق سماع الشكوى، والحق الرابع هو حق الاختيار، بحيث لا تحتكر شركة كل السلع، وهذه الحقوق لا تزال تنقص السوق السعودي، فرأت الحكومة إنشاء جمعية حماية المستهلك لتحمي حقوقه وتقاضي الشركات التي تتلاعب به، ومن المهم أيضاً توثيق علاقات الشركات بالمستهلكين، فكما هناك تجار يتعاملون بضمير، هناك من يهمهم الربح فقط، ويضرون المستهلك بخداعه وغشه، وبحسب القاعدة يمكن أن تخدع العميل مرة، ولكنك لا تستطيع أن تخدعه كل مرة، وعموماً جمعية حماية المستهلك لا تزال في طور التأسيس وذلك سيأخذ وقتاً طويلاً.
وهل سيكون للجمعية دور في تقليل آثار ارتفاع الأسعار أو تخفيضها؟
غلاء الأسعار مثل اشتعال النار في غابة جافة، وأتمنى أن يكون لنا في الجمعية دور في مراقبة أسعار السلع، فكما في دبي مثلاً، لا يستطيع التاجر أن يرفع السعر قبل أن يرجع لحماية المستهلك لشرح أسباب رفعه للأسعار، وبعدها إذا اقتنعت الجمعية، وافقت له، وإذا لم تقتنع، فلن يستطيع، بينما في السوق السعودي يستطيع أي تاجر أن يرفع أسعاره لأنه لا توجد رقابة صارمة ولا وعي من المستهلك.
ماذا تقول في الختام؟
يهمني أن تحاول جامعة الأمير سلطان سد ثغرات في السوق السعودي وتخصصات مطلوبة في هذه السوق، واعتقد أنها تتوجه توجهاً جيداً في تبني فكر التسويق لدى الشباب السعودي، وبين طلابها، وهي تخرج طلاباً مؤهلين، يستوعبون السوق السعودي، ومن ناحية أخرى أن ثقافة حماية المستهلك لدينا لا تزال ضعيفة، ولكننا نتمنى أن تقوم جمعية حماية المستهلك التي أقرها مجلس الوزراء أن تقوم بدورها في توعية المستهلك ومقاضاة الشركات التي تتلاعب بأعصاب وأموال ووقت المستهلك.
(ملاحظة لقاء صحفي عن التسويق تم عمله عندما كنت مستشار في جامعة الأمير سلطان عام ٢٠٠٧م لاأذكر أين تم نشره ولكنني وجدته في ملفاتي وفضلت نشره لأنه يتحدث عن مجال التسويق ووضعه الحالي والمستقبلي)