قدوة

مع الشيخ عبدالرحمن بن علي الجريسي (الحلقة الأولى)

عندما تفضل الشيخ/ عبد الرحمن الجريسي بالحديث معي رجعت إلى سيرته لأجعلها مفتاحًا للحديث معه، فوجدته كتابًا مفتوحًا، فاحترت من أين سأبدأ الحديث. إلا أن جلسة سلام وتعارف في مكتبه قبل التسجيل بددت حيرتي، فكانت المكالمات الهاتفية التي انهالت عليه أثناء وجودي مكرسة كلها لما عرف عنه من أنه وقف كل وقته وجهده ووظف علاقاته الخاصة والعامة لخدمة الاقتصاد السعودي وفتح آفاق جديدة أمام المنتج الوطني من موقعه كرئيس لمجلس الأعمال السعودي أو رئيسًا لغرفة الرياض، أو نائبًا لرئيس مجلس الغرف السعودية، ومن خلال علاقاته بالرسميين وغيرهم في الداخل والخارج.
ولمعرفتنا بضيق وقته طلبنا نصف ساعة فقط، لكن متعة الحديث معه جعلت الوقت يمر دون أن نشعر، وأبى عليه خلقه الرفيع أن يذكرنا بنهاية الوقت المخصص لنا رغم ارتباطه بمواعيد أخرى بل ووجود ضيوف غيرنا في الانتظار، فامتد الحديث معه حوالي الساعة، بسط لنا فيها تجاربه الغنية وآراءه السديدة.

aljersi-2

–    ولقد تعمدنا أن نبدأ الحديث معه من القضايا التي شعرنا من خلال جلوسنا معه أنها الشغل الشاغل له، بل وتملك عليه كل كيانه، فقلنا له: سنبدأ ـ إذا سمحتم لنا ـ من وحي المكالمات الهاتفية التي أجريتموها قبل قليل، فإن رأيتم أن تحدثونا عن تمثيلكم للمملكة في الخارج، ورئاستكم لمجالس الأعمال التي تربط رجال الأعمال السعوديين برجال الأعمال في العديد من الدول، ودوركم في تفعيل الصادرات السعودية وفتحكم آفاقًا عالمية جديدة للاقتصاد السعودي؟
لا شك أن مجلس الغرف السعودية بصفته ممثلا لـ (22) غرفة تجارية يقوم بدور مهم جدا في ربط العلاقة مع القطاع الخاص والفعاليات الاقتصادية في جميع أنحاء العالم، كما أن من مهامه تشكيل وفود لزيارة الدول الشريكة للمملكة، والعمل على تفعيل واستمرار التعاون الاقتصادي القائم بين المملكة والكثير من دول العالم.
وللعلم فإن كل دول العالم تنظر إلى المملكة باعتبارها شريكًا مهمًا، بل الشريك الأهم في منطقة الشرق الأوسط.
ودور الوفود التي يشكلها مجلس الغرف هو زيارة شركاء المملكة الحاليين أو المحتملين، وتوثيق الصلات معهم، ولقاء الفعاليات الاقتصادية في البلدان الأخرى، وكذلك الاجتماع بالمسؤولين الرسميين بها، أحيانا يكون ذلك على مستوى رئيس الدولة المعنية، وأحيانا يكون على مستوى رئيس الوزراء، وغالبا ما يكون على مستوى الوزير المعني بموضوع الزيارة. ونحن في مجلس الغرف نعتبر أن مهمتنا تتركز في أمرين أساسيين:
الأمر الأول: هو كيف نستطيع أن نبرز الوجه المشرق للمملكة العربية السعودية في كل المجالات وفي كل القطاعات، وأن نعمل في نفس الوقت على زيادة صادرات المملكة، كما نعمل على زيادة الواردات المهمة للمملكة، واستقطاب المهارات والخبرات التي تحتاجها المملكة، إضافة إلى إبراز عوامل الجذب الاستثماري الموجودة عندنا، وهي كثيرة ومقنعة ـ ولله الحمد ـ مما يسهل مهمتنا في هذا الجانب كثيرًا.
الأمر الثاني: هو الدفاع عن ثوابت المملكة العربية السعودية، وإبراز تميزها في كثير من الأمور التي قد لا يعرفها من لم تكن له ارتباطات قوية بالمملكة، كما نفند ونصحح بعض المفاهيم التي قد يثيرها بعض المتدخلين في وسائل الإعلام، ويبثون من خلالها بعض المعلومات الخاطئة عن المملكة، إما جهلاً بما لديها من جوانب مضيئة ومشرفة، أو بهدف التشكيك بثوابت المملكة خدمة لأغراض خاصة، ونحن نعتبر أن من مهماتنا الأساسية الدفاع عن المملكة على هذا الصعيد في كل المنتديات واللقاءات التي يكون لنا حضور فيها.
–    شغلتم أكثر من 17 منصبًا قياديًا في القطاعين الحكومي والخاص، أي هذه المناصب كان أقرب إلى قلب الشيخ/ عبد الرحمن الجريسي؟
الأقرب إلى نفسي دائمًا من بين كل ما أقوم به هو ما يتعلق بأمرين:
أولاً/ الدفاع عن وجهة نظر المملكة العربية السعودية وتسويقها في المحافل الدولية.
ثانيًا/ المشاركة في الأعمال والأنشطة ذات الطابع الخيري والنفع العام، سواء كان ذلك من خلال الجمعيات الخيرية التي تقدم خدماتها للمحتاجين، أو في مجال دعم جمعيات تحفيظ القرآن الكريم، أو المؤسسات التي تهتم بتنمية الموارد البشرية، والتي تعنى بالرفع من مستوى معرفة الشباب السعودي وتعليمه وتدريبه… فأنا حقيقة أولي أهمية كبيرة لمثل هذه القطاعات، وعملي في هذا الجانب هو أقرب العمل إلى قلبي.
–    المملكة على المستويين الرسمي والشعبي تعترف بدوركم الكبير في خدمة الوطن والعمل من أجل رفعته، ومن مظاهر هذا الاعتراف والتقدير حصولكم على وسام الملك عبد العزيز، أرفع الأوسمة بالمملكة العربية السعودية، فكيف كان شعوركم عندما تسلمتم هذا الوسام؟
كان منحي وسام الملك عبد العزيز مكرمة أعتز بها من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز رحمة الله عليه – وهي مكرمة ثبّتت قناعتي بأن العمل لهذا الوطن وخدمة مواطنيه يستحق مني ومن غيري كل تضحية، كما أعتبر أن حصولي على وسام الملك عبد العزيز يجب أن يكون حافزًا لمزيد من العطاء والاستمرار في خدمة الوطن، فهذا التكريم ما هو إلا تحفيز للاستمرار وتقديم المزيد من العمل الخيري والوطني.
وأنا أعتقد أن كل ما يقوم به الإنسان من عمل سواءً في التجارة أو في الصناعة أو في الزراعة أو غيرها من الأعمال التي تفيد هذا الوطن وتسهم في رفعته هي عمل وطني، والله سبحانه وتعالى أمرنا بأن نعمر الأرض، وهذا ثابت في كتاب الله وفي سُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويجب أن نكون كما قال الصحابي الجليل عبد الله بن عمر رضي الله عنه: (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً).
–    سبق لكم الفوز بجائزة رجل العام، وجائزة الشخصية المميزة لعام 2000م، ماذا أضافت هذه الجوائز لعبد الرحمن الجريسي؟
هذه الجوائز والأعمال التكريمية سواء ما أشرتم إليه منها أو غيره دليل على أن هناك من يقدر العمل الخيري والعمل الوطني، ويشجع من يقدم مثل هذه الأعمال، فعندما يأتي هذا التكريم والتقدير من جهات لم تقابل عبد الرحمن الجريسي وليست لها به أي صلة، وإنما استعرضت سيرته وإنتاجه ثم بادرت بمنحه هذه الجوائز دون تدخل من أحد، ولا ضغط من أي جهة فإن ذلك في اعتقادي تكريم للوطن وتقدير للمملكة العربية السعودية، لأن فيها رجالاً يستحقون هذه الشهادات وأنا أعتقد أن ذلك ـ كما قلت سابقًا ـ حافز لمزيد من البذل والعطاء والتفاعل مع العالم، والمشاركة في الفعاليات العالمية، وهو تحقيق لقول الله تعالى (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون).
–    دكتوراه فخرية في الاقتصاد، ودكتوراه فخرية في الأعمال من جامعات مرموقة تضاف إلى رصيد جوائزك، وتعبر عن مزيد من التقدير للبلد الذي تنتمي إليه، فما قصة (الدكتوراهات) هذه؟
طبعا مُنحت الدكتوراه الفخرية من جامعتين أمريكيتين هما جامعة (كاليفورنيا) وجامعة (أمريكان يونيفيرسيتي)، كما منحت لي شهادة (بروفيسور) من جامعة (كينسنجتـــون). وهذه الشهادات أيضا دليل على أن من قام بأي عمل جيد، وإن كان لا ينتظر منه مردودًا ماديًا أو معنويًا، وإنما لإرضاء ضميره، وعمل بجد واجتهاد وقدم شيئًا لوطنه أو للإنسانية؛ أنه سيأتي اليوم الذي يشهد له الناس بما قدم.
فهذا يؤكد أن الإنسان يجب أن يعمل وهو لا ينتظر جزاءً ولا شكوراً إلا من الله سبحانه وتعالى، إلا أن الاعتراف بعمله سيأتي في وقته  من جهات ترصد مثل هذه الأمور، وستعترف له بما قدم وتقوم بتكريمه. وهذا ما حصل لي فعلاً، فأنا كُرمت من قبل خمس جامعات خارج المملكة، وأنا بالنسبة لي أعتبره تكريمًا للوطن الذي أتشرف بالانتساب إليه، وهو في نفس الوقت يعتبر حافزاً لأبنائي ولزملائي ولأي مواطن سعودي يعمل لرفعة وطنه، وأنا أقول لمواطن هذا البلد: اعمل بجد واجتهاد ليلاً ونهاراً، ولا تكل ولا تمل من أجل أن تنجح في عملك الخاص ومن ثم ستنجح في خدمة وطنك.
–    ما زلنا في مظاهر التقدير للشيخ/ عبد الرحمن الجريسي ووقفة مع وسام جــوقــة الليوبــولــد الثـــاني برتبــة كومانــدوز من ولي العهد البلجيكي، فماذا عن هذا الوسام أيضًا، خاصة وأنه يرمز إلى رتبة عسكرية؟
كان هذا الوسام نتيجة لزيارة ولي عهد بلجيكا إلى المملكة ولقائي به والحديث معه في حضور متميز من الغرفة التجارية، وقد تأثر بهذا اللقاء، وعلى هذا الأساس قام بمنحي هذا الوسام.

نكمل في العدد القادم

ملاحظة: تمت المقابلة ونشرت في جريدة طيف الجامعة (جامعة الامير سلطان) عندما كنت رئيسا للتحرير

د. عبيد بن سعد العبدلي

مؤسس مزيج للاستشارات التسويقية والرئيس التنفيذي أستاذ جامعي سابق بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق