نحو ثقافة تسويقية (3) المزيج التسويقي 2
المزيج التسويقي (2)
تحدثنا في الحلقة الماضية عن المزيج التسويقي: مكوناته ـ وخصائص كل منها ـ وعن المعايير الأساسية لمزيج تسويقي ناجح… ونواصل في هذه الحلقة الكلام على المزيج التسويقي من خلال بعض الملاحظات العامة.
أولاً: من المشاهد كثرة استخدام الدعاية كأحد مكونات العلاقات العامة، وهناك الكثير من الناس (ومن بينهم بعض المتخصصين) يخلطون بين الدعاية والإعلان، مع أن بينهما اختلافات جوهرية، حسبي هنا أن أشير إلى ثلاثة منها:
1. من ناحية التكلفة: حيث إن الإعلان مدفوع القيمة بينما الدعاية غير مدفوعة القيمة.
2. من ناحية التحكم: حيث إن الإعلان يمكننا التحكم به، وفي أي موقع يكون، وماذا نقول فيه، وما هي الرسالة التي نود أن نوصلها من خلاله وليست كذلك الدعاية.
3. من ناحية المصداقية: حيث إن الجمهور يصدق الدعاية أكثر من الإعلان لأنه عندما تتحدث الشركة عن نفسها ومنتجاتها فالناس قد لا يصدقونها.
وللتوضيح أكثر أذكر هذا المثال:
عندما تم إنشاء مركز الراشد دعيت شخصية كبيرة لافتتاح السوق، ونال الافتتاح تغطية إعلامية واسعة نتيجة وجود هذه الشخصية، وصار سوق الراشد معروفًا بين الناس. فهل دفعت إدارة مركز الراشد أي مبالغ مالية جراء هذه التغطية الإعلامية؟ الإجابة: لا. وهل استطاعت إدارة مركز الراشد أن تتحكم في مستوى الرسالة الإعلامية ونوعها؟ الإجابة قطعًا: لا.
وهنا قد يرد هذا السؤال: ما هو الأكثر تأثيراً على الفرد العادي.. الدعاية أم الإعلان؟ أعتقد أن الدعاية أكثر تأثير نظراً لكونها صادرة من طرف ثالث يفترض فيه أنه محايد.
ثانيًا: أورد هنا قصة طريفة تدل على أهمية الإعلان في الترويج لأي منتج يراد له أن يذيع اسمه ويعرف من قبل الجمهور (والإعلان ببساطة: هو أن تجعل صوتك مسموعاً في السوق) وذلك أنني دعوت محاضرًا لإلقاء محاضرة لطلاب مادة الإعلان بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وهي تعتبر مادة رئيسية بالنسبة طلاب التسويق، وسأل المحاضر الحضور: لماذا نأكل بيض الدجاج ولا نأكل بيض البط مع أنه قد يكون أفضل منه؟ فتعددت الإجابات، ولكن المحاضر قال: نحن نأكل بيض الدجاج لأن الدجاجة عندما تبيض تصيح، وتجعل الكل يعرف أنها وضعت بيضة، بينما البطة تضع بيضها بهدوء دون أن يعلم أحد، فأقبل الناس على أكل بيض الدجاجة دون البطة لأنها أعلنت عنه بصياحها ولفتت الانتباه إليه. والعبرة من هذه القصة أن الشركة التي تبذل جهدًا في التعريف بنمتجاتها والإعلان عنها تكتسب منتجاتها ثقة المستهلكين مع الوقت، فيقبلون على شرائها، بينما الشركات التي لا تعلن عن منتجاتها تكون كالبطة، قد تكون منتجاتها جيدة لكنها غير معروفة لدى جمهور المستهلكيـن.
ثالثًا: من الأساليب التي يمكن لشركاتنا استخدامها، وخاصة في عمليات التسويق المباشر جمع المعلومات عن العميل واستخدامها بفعالية بالقدر المناسب وفي الوقت المناسب لترويج سلعها أو الإقناع بفكرة معينة كتمويل بعض الأنشطة الاجتماعية، مثل أن تخاطب العميل باسمه عندما تريد إيصال رسالة معينة إليه.
رابعًا: عند التحدث عن المزيج التسويقي يجب على شركاتنا أن تضع في حسبانها أنه لا بد أن يكون هناك توازن بين مكونات هذا المزيج، فلا يكفي أن تكون السلعة ذات مواصفات مطلوبة من العميل، بينما هي ذات سعر عال يفوق قدرة العميل الشرائية، كما لا يكفي أن تكون السلعة جيدة وذات سعر معقول، لكن المستهلك لا يصل إليها بسهولة، بل يجب أن يكون مكان توزيع السلعة مناسبًا (حسب طبيعة السلعة)، ولا يكفي أن تكون السلعة جيدة وبسعر معقول ومعروضة في مكان مناسب، ولكن المستهلك لا يعلم عنها شيئا، بل لا بد من حملة تعريفية من أجل إعلام المستهلك بوجود السلعة، وبمواصفاتها، ومكان توزيعها. وبذلك تصنع الشركة مزيجًا تسويقيًا جيدًا وفعالاً تضمن عن طريقه الوصول إلى جمهورها المستهدف وتحقق بالتالي أهدافها.
خامسًا: هناك نقطة لم تحظ بعد بما تستحقه من اهتمام في ممارساتنا التسويقية رغم أهميتها البالغة، وهي ضرورة اختيار الجمهور المستهدف، وأقصد بذلك مجموعة من المستهلكين متشابهة في خصائص معينة، يسهل الوصول إليها عن طريق خطة تسويقية واحدة، مثل طلاب الجامعات، النساء، الرجال ذوي الدخول المتوسطة وغيرها. وهناك طرق عديدة تساعد الشركة على تحديد جمهورها المستهدف.
وكما هو معروف فإن أي شركة لا تستطيع إرضاء جميع الناس، ولكن عندما تحدد شريحة معينة وتوجه سياساتها التسويقية نحوها، فإن نجاحها يكون أسهل مما إذا كان جمهورها المستهدف هو جميع الناس.
سادسًا (وأخيرًا): تعرفنا مما سبق على لمحة عن التسويق، وعرفنا المزيج التسويقي وكيفية استهداف الجمهور، ولكن هل كل ذلك كاف لتحقيق أهداف الشركة على المدى البعيد.
أعتقد أن من السهل أن تصل إلى العميل، وأن تجعله يشتري سلعتك للمرة الأولى، ولكن من الصعب أن تكسب ولاءه وتجعله يعاود الشراء إذا لم يكن سعيدًا معك ومع شركتك.
ومن هنا تأتي أهمية العناية بالعملاء.
ولعلنا نسلط بعض الضوء على هذه النقطة في أعداد قادمة بعون الله.