غير مصنف

واقع الأبحاث التسويقية في السعودية (2) – المهنية

بقلم المهند السبيعي

تمهيد

المهنية والجودة والاحترافية مصطلحات فضفاضة قد يتم تفسيرها من قبل العاملين في هذه المهنة بطرق مختلفة، قد تعني للبعض تبني أفضل الممارسات في تطبيق الأبحاث التسويقية، ولآخرين تنفيذ البحث بحسب معايير وتوجيهات بعض المنظمات العالمية الخاصة بالأبحاث التسويقية، وللبعض الآخر قد تعني وضع أخلاقيات المهنة في عين الاعتبار أثناء تنفيذ البحث التسويقي، فكيف يمكننا الحكم على الجودة فعليا والحكم على ما إذا كانت وكالات الأبحاث المحلية أو العالمية ملتزمة بأخلاقيات المهنة وتقدم عمل مهني واحترافي؟ هذا المقال توعوي للعاملين في هذه الصناعة سواءً في وكالات الأبحاث أم في جهة العميل ولا يهدف هذا المقال للتشهير بأي جهة كانت وإنما فقط النقد البناء ورفع مستوى الوعي بحقوق العملاء الطالبين للأبحاث في هذه الصناعة

القواعد السلوكية
بداية أحب أن أوضح أن هناك العديد من الضوابط والقواعد السلوكية المنشورة من قبل الجمعيات العالمية المهتمة بهذه الصناعة وعلى رأسها منظمة إيسومار وإم آر إس وقد أبحرت في هذه القواعد فوجدتها منطقية جدا وعملية في آن واحد مع بعض الفروقات الثقافية الهامشية التي يمكن قولبتها لتناسب ثقافة أي مجتمع

احذر من أن تخدعك إحدى وكالات الأبحاث حينما تضع ضمن عرض أسعارها بأن ملتزمة بالقواعد السلوكية الصادرة عن منظمة س أو أنها عضو رسمي في منظمة ص بالنهاية ادعاءهم للالتزام وعضويتهم لا يعني نهائيا أنهم يتبعون توجيهات وتوصيات تلك المنظمات إلا من رحم ربي، وتلك المنظمات العالمية ليس لها أي دور رقابي على هذه الوكالات (على الأقل في الشرق الأوسط) والحصول على العضوية ليس من الصعوبة بمحل، إلا أن بعض هذه الجمعيات ترحب بالبلاغات المتعلقة بأي خرق لقواعد السلوك المهني الخاصة بها في حال صدر ذلك الخرق من أحد أعضاءها، وأحث جميع العاملين في هذه الصناعة بالإبلاغ عن التجاوزات ليتم اتخاذ الإجراء اللازم بحقهم، أقتبس النص أدناه من كتاب جميعة إيسومار

“Members of ESOMAR undertake to abide the ICC/ESOMAR International Code, and can be disbarred from the society if they found to be in infringement of any of its rules”
ESOMAR Handbook of Market and opinion Research 4th Edition | Page 1110

وقد تواصلت معهم مؤخرا لفهم آلية الإبلاغ وما نوع الوثائق الداعمة المطلوب إرفاقها في أي بلاغ ولعلي أخصص لذلك مقالا مستقلا فور حصولي على الرد منهم، وذلك بهدف رفع الوعي بهذا الجانب وإيقاف بعض الوكالات عن ادعاء تطبيقهم لمواثيق وقواعد هذه الجمعيات المعتبرة

العديد من قواعد السلوك المنشورة من قبل هذه الجمعيات تهتم كذلك بالمبحوثين أو بمسمى آخر الفئة المستهدفة التي يتم إجراء المقابلات معها، وتتحدث عن حقوقهم بداية بحرية مشاركتهم بأي مقابلة من عدم ذلك، وحرية انسحابهم منها بأي لحظة أثناء إجراء المقابلة، وأهمية التصريح لهم بالوقت المتوقع لإنهاء المقابلة وعدم تزوديهم بمدة مضللة، وعدم دفعهم للإجابة بطريقة معينة وفوق كل ذلك احترام خصوصيتهم بداية بعدم استخدام معلومات الاتصال الخاصة بهم لأغراض غير أغراض ضبط الجودة وونهاية بعدم تسجيل صوتهم دون أخذ اذنهم … كما أن هناك قواعد سلوك متخصصة لإجراء الأبحاث في منازل المستهدفين ولإجراء الأبحاث مع الأطفال، وكذلك المرضى وغيرها من الأصناف التي تستدعي اتباع أسلوب معين .. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل تم تدريب أو إطلاع الباحثيين الميدانيين في السعودية على قواعد السلوك هذه؟

الجودة
الوكالة ذات الجودة العالية يجب أن تتسم بالنزاهة والشفافية وأن تلتزم بوعودها وأن تبني ثقة متبادلة مع الجهات التي تطلب منها إجراء الأبحاث لها، على سبيل المثال: سبق ومررت بتجربة شخصية مع إحدى وكالات الأبحاث، حينما اقترب المشروع على انتهاءه أعلمني مدير المشروع أنه اكتشف نسبة كبيرة من حالات الاحتيال والغش من قبل الباحثين الميدانيين، أخبرني بذلك بكل شفافية وعرض علي إما تمديد فترة المشروع لاستبدال الاستبيانات التي تم التلاعب بها أو أن ألغي المشروع دون دفع هللة واحدة، كيف ستنظر لهذا الشخص لو كنت محلي؟ بهذا التصرف الذي يضر بمصلحة وكالته أعاطني جرعة كبيرة من الثقة وقدرت له هذه الشفافية بشكل لا يوصف، لكي أكون عادلا الجودة في وكالات الأبحاث التسويقية في السعودية ترتبط بالأشخاص أكثر من الوكالات نفسها، أعني الشخص الذي سيدير مشروعك هو الفيصل في تحديد مستوى الجودة التي ستحصل عليها، وهي متفاوتة بشكل كبير من العاملين في هذا المجال هنا والسبب الرئيسي وراء تدني الجودة بداية بالشركات العالمية قبل المحلية هو الرأس المالية والشجع من أجل تحقيق أكبر قدر من الأرباح بأقل قدر من الموارد المتاحة

الجودة قد تعني أيضا وجود معايير عالية لضبط جودة العمل المنجز، وهذا يتفاوت من وكالة لأخرى وبعضه لا يتجاوز عن أن يكون حبرا على ورق، وقد تنصدم أن العمل تم إنجازه بجودة سيئة جدا وأن العاملين في الوكالة من أصغرهم إلى أكبرهم يعرفون ذلك ويتغاضون عن ذلك بنفس الوقت، تجاربنا مع عدة وكالات وما نسمعه من زملاء المهنة بحكم تجاربهم يمنحنا صورة أوضح عن الوكالات الموجودة هنا وعن أمانة القائمين عليها وحرصهم على تقديم عمل جيد أو سيء

الجودة تعني أيضا أنك في حال أخذت بتوصيات البحث ووظفت نتائجه فإن الأثر والعائد على استثمارك في هذا البحث سيكون ملموسا وواضحا، أم إن أدى بك توظيف النتائج والتوصيات إلى آثار سلبية فذلك يعطي مؤشرا أن جودة تنفيذ الوكالة للبحث كانت سيئة وهذا على اعتبار أن العوامل الأخرى المتعلقة بجودة المخرجات مثل تصميم أدوات البحث وإطار العينة قد تمت بشكل احترافي لأن المشكلة قد تكمن بهما

مستوى خدمة العملاء الطالبين للأبحاث يعتبر أحد المعايير المؤثرة على سمعة وكالات الأبحاث وجودتها، العديد من الوكالات تسمي الإدارة التي يعمل بها مديري مشاريع الأبحاث بإدارة خدمة العملاء ولكن كالعادة المستويات متفاوتة وبشكل كبير وقد عايشت عدة حالات كان مستوى خدمة العملاء المقدم بها من الوكالات المحلية أفضل من الوكالات العالمية بكثير، للأسف بعض الوكالات هنا تتبع منهج تقديم مستوى خدمة متفاوت بحسب اسم الجهة الطالبة للبحث وميزانيتها للأبحاث التسويقية فإن كان وراء هذا العميل مال وفير توددوا له وحاولوا أن يرضوه بشتى الطرق وإن كان عميلا صغيرا قدموا له الخدمة كما لو أنهم تكرموا عليه بأن نفذوا له البحث، لدي هنا ملاحظتان، الملاحظة الأولى: مع كل الاحترام والتقدير إن أي شخص من أي وكالة يسألك عن ميزانيتك السنوية المخصصة للأبحاث يفتقر للمهنية، والسؤال هذا شبيه جدا بالسؤال عن الراتب، هل تظن بأن سؤالك من قبل أي شخص عن راتبك الشهري مقبول؟ بالطبع لا، الملاحظة الثانية تتعلق بعقلية الندرة وعدم رغبة كبار الباحثين في الوكالات تعليم الموظفين الجدد ولكن ما علاقة هذا بالجودة والخدمة، أضرب لكم مثالا شخصيا فعند بداية التحاقي بهذه الصناعة ابتلاني الله بمدير مباشر يتبنى هذه العقلية فكان لا يحب أن يعلمني شيئا كأنما لو علمني سأسرق مكانه بين عشية وضحاها والمشكلة لا تكمن هنا، المشكلة في كيفية تقبل هذه الوكالات بأن يدير باحثين طريي الأظفار قليلي الخبرة مشاريعا لشركات كبيرة وهذا ما حدث معي قبل أن أكمل 6 شهور في أول شركة أبحاث بدأت بها، أوكلوا إلي مهمة إدارة مشروعين لشركة سيارات عالمية ومشروعا آخرا لشركة ألبان محلية ضخمة وباختصار شديد بالمشروعين جبت العيد، الخطأ الوارد هنا أو أن تجعل موظفيك يتعلمون بعملائك بدلا من أن تعلمهم ثم تجعلهم يديرون المشاريع بطريقة احترافية

أخلاقيات المهنة
من أخلاقيات المهنة أن تلتزم الوكالات بالوعود التي تمنحها للعميل ولا تضخم توقعاته، مثالين سريعين، المثال الأول: وصلني عرض أسعار منذ فترة قريبة تذكر به الوكالة ضمن عرضها أن لديهم أسطول باحثين ميدانيين مكون من 1000 شخص، وهم كاذبون فلو جمعنا كل الباحثين الميدانيين في المملكة الذين يعملون كمتعاونين حاليا لن يصلوا إلى هذا الرقم، المثال الثاني عن الالتزام بالوعود: تعرف وكالات الأبحاث أن أحد أكثر المعايير تأثير على احتمالية فوزهم بتنفيذ مشروع معين هما كلفة المشروع ومدة تنفيذه، بالنسبة لمدة التنفيذ تقوم بعض الوكالات بوضع جدول زمني غير منطقي للمشروع (قصير جدا) لكي تلعب على هذا الوتر وتربح المشروع فإذا بدأوا بتنفيذه تجدهم يتأخروا عن الجدول الزمني المتفق عليه بشكل لا يوصف، وحينها لن ينفعك تنفيذ العقوبات إذا ما تأخر المعلومات المطلوبة عن قرار حرج تحتاج أن تتخذه

من أخلاقيات المهنة أن تلتزم كباحث بإبداء وجهة نظرك المهنية للجهة الطالبة للبحث بدلا من أخذ طلباتها وتنفيذها بحرفية، للأسف بعض وكالات الأبحاث هنا تتبع النهج الثاني فهي تأخذ تعليمات الجهة الطالبة للبحث وتنفذها كما هي حتى لو كانت خاطئة، وهذه الفاجعة تنطبق على عدة صناعات أخرى كالإعلانات والشبكات الاجتماعية .. الخ، كمثال: لو طلب أحد العملاء تنفيذ بحث تسويقي وكانت المنهجية البحثية التي يقترح استخدامها خاطئة أو لا تساعد في تحقيق أهداف البحث حينها يجب على الوكالة توضيح سلبيات المنهجية المقترحة وتقترح عليه منهجية بديلة وتوضح كذلك أسباب اختيارهم لها

في آخر كتبي: إدارة الأبحاث التسويقية في جهة العميل توسعت كثيرا في عدة مواضيع ترتبط بهذا المقال، يستدعي أن أقتبس من الكتاب جانب معين يرتبط بأخلاقيات المهنة، تجدونه أدنها

لا يوجد قَسَم مِهَني خاص بالباحثين كما هو حال المحاميين أو المحاسبين أو الأطباء والصيادلة ولكن أرغب في وجود ذلك وسأذكر نصه من عندي أدناه، كما أذكر بعض الأخلاقيات التي يجب على كل باحث يعمل في أي شركة أن يلتزم بها

قسم مهنة الباحث التسويقي
أقسم بالله العظيم أن أحرص على تنفيذ أبحاث الشركة بكل أمانة وأن أبذل كل ما في وسعي لخدمتها وأن أحافظ على أسرارها حتى بعد استقالتي، وأن أحترم المعايير العالمية للأبحاث التسويقية وألتزم بتوجيهاتها، وأن أحرص على أن أمارس المهنة بما يتماشى مع قوانين العمل

ميثاق الأخلاقيات
وقد خصصت هذا الميثاق للباحثين العاملين في جهة العميل إلا أن العديد من النقاط ينطبق على كلا النوعين

أ- تجاه صناعة الأبحاث التسويقية
على الباحث ألا يقوم بأي تصرف يضر بسمعة الصناعة أو يقلل من شأنها

ب‌- تجاه الشركة التي يعمل بها الباحث
المحافظة على أسرار الشركة حتى بعد الاستقالة والعمل في شركات أخرى
اختيار الجهات التي يسند إليها العمل بناءً على الكفاءة لا على التفضيل أو المعرفة الشخصية
التأكد من جودة البحث وأن تنفيذه يتم حسب المعايير المنصوص عليها عالميا
عدم التلاعب بنتائج الدراسات سواءً لمضرة أو نفع أي جهة كانت فهذا خيانة للأمانة وتزوير

جـ – تجاه العميل – طالب البحث
إتاحة الفرصة للعميل للتحقق من بعض الأعمال المنجزة أو من الإشراف عليها بشكل مباشر
مساعدة العميل على قراءة النتائج وعلى توظيفها واستغلالها بالشكل الصحيح
عدم مشاركة نتائج الدراسات إلا مع الأشخاص المعنيين وعدم تسريبها داخليا مهما كانت الظروف

د- تجاه وكالات الأبحاث
عدم قبول أي هدايا من أحد بما فيها الدعوات على الطعام
الحرص على تسديد كافة المستحقات المتعلقة بعمل تم إنجازه
عدم التحدث على الوكالة أو أحد العاملين بها بأي سوء والاكتفاء بالتعامل معهم من عدمه
عدم تجميد صرف مستحقات مزودي الأبحاث من أجل تحقيق طلبات إضافية لم يتم الاتفاق عليها مسبقاً

هـ- تجاه المجيبين (المشاركين بالمقابلات) أو المبحوثين بمسمى آخر
تأكيد مسألة السرية للمجيبين وأنه لا يسمح بالإفصاح عن ذلك بحسب معايير الصناعة
ذكر المدة الزمنية المتوقعة واللازمة من أجل إتمام المقابلة قبل بدء المقابلة
المحافظة على سرية هوية المجيبين المشاركين وعدم الإفصاح عنها وعدم ربط نتائجهم بهويتهم إلا بموافقتهم
الحرص على عدم تضمن المقابلة لأي شيء قد يسيء إلى المجيب أو يجرح مشاعره
عدم استغلال المقابلة لأي أغراض أخرى غير البحث، كمحاولة بيع أو تسويق أي منتج
للمجيب الحرية المطلقة في المشاركة بأي دراسة من عدم مشاركته، كما يحق له ألا يكمل المقابلة في أي وقت شاء
الخاتمة
أسأل الله أن ينفعكم فيما كتبت وأن يكون دافعا للعاملين كمقدمي خدمة أن يحرصوا أكثر على تقدميها باحترافية، وأن يكون للطالبين للأبحاث منطلقا للوعي بحقوقهم والمطالبة بها
إن أخطأت فمني وإن أصبت فمن الله

ملاحظة
“الآراء الواردة في هذا المقال شخصية ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر جهة العمل التي أنتمي إليها”

د. عبيد بن سعد العبدلي

مؤسس مزيج للاستشارات التسويقية والرئيس التنفيذي أستاذ جامعي سابق بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق