مع الأمير منصور بن متعب وزير الشؤون البلدية والقروية
صاحب السمو الملكي الأمير الدكتور منصور بن متعب بن عبد العزيز يعتبر من القيادات البارزة التي جمعت بين الخبرة الأكاديمية والعمل الإداري، حيث كان سموه من أساتذة الإدارة العامة البارزين بجامعة الملك سعود لمدة عشرين عامًا قبل أن يتولى مسؤولية وزارة الشؤون البلدية والقروية، وهي المسؤولية التي ظهرت بصماته فيها واضحة، والتي من الأمثلة عليها رئاسته للجنة العامة للانتخابات التي تولت تنظيم انتخابات المجالس البلدية بنجاح مشهود رغم أنها التجربة الأولى من نوعها في المملكة. وقد تفضل سموه بالموافقة على أن يكون ضيف لقاء هذا العدد من طيف الجامعة، حيث سلط الضوء بخبرة الإداري وعمق الأكاديمي وشمول نظرته على العديد من القضايا المهمة في الحوار التالي الذي أجراه معه رئيس التحرير:
سمو الأمير، اسمح لنا أن نبدأ من الرياضة، حيث إنني حصلت على معلومات تدل على أنك مهتم بالرياضة، بل إن ما أسعدني أكثر هو أني علمت أنك اتحادي مثلي؟
(يضحك) يمكن في نظرك ونظر القراء أنه كان من الطبيعي ما دام أنني مولود في الرياض وأعيش فيها أن أشجع فريقاً من الرياض، إلا أن نشأتي وتعليمي كانا بين الطائف وجدة في المنطقة الغربية، وكما هو معلوم فإن المنطقة التي ينشأ فيها الإنسان يكون أكثر ولاءً لها وميولاً إلى الانتماء إليها، سواء فيما يتعلق بالانتماء الرياضي أو غيره. أما عن اهتمامي بالرياضة، فأنا في الحقيقة مارست النشاط الرياضي في المرحلة الثانوية، ثم مارست كرة القدم في المرحلة الجامعية في أمريكا مع الإخوة الطلاب العرب حتى المستوى الثالث، ثم توقفت بعد ذلك. وأنا الآن لا أمارس أي نشاط رياضي، وليس لي دور إداري فاعل فيها، لكنني مع ذلك أتابع فريق الاتحاد وأتمنى له الفوز دائمًا.
كيف نستطيع أن نجعل النشاط الرياضي موجِّهاً للطلاب، وعنصرًا من العناصر التربوية بالجامعات، ولا سيما أن جامعة الأمير سلطان تبنت إنشاء اتحاد رياضي للجامعات السعودية؟
على الرغم من أنني لست متخصصاً في هذا المجال، إلا أنني أعرف أن الـ (Physical Fitness) أصبح الآن تخصصاً من التخصصات المهمة، وإن كان يختلف من جامعة إلى أخرى. ففي أمريكا ـ مثلاً ـ أنا درست البكالوريوس في جامعة (West Florida) في فرجينيا، وكان علينا كطلاب أن نأخذ مادتين أو ثلاث مواد في (School Physical Education) كأحد المتطلبات الدراسية (Requirements). بينما تابعت ابني في جامعة بوسطن، ولاحظت أنه لم يكن لديه هذا المتطلب، فمعنى ذلك أن الأمر يختلف من جامعة إلى جامعة، ومن ولاية إلى أخرى. وعلى العموم فأنا أعتقد أن الـ(Physical Education)، أصبح علماً له نظرياته، وله نماذجه وله مراجعه المعرفية. إلا أنه على الرغم من ارتباطه المهم بالتعليم الجامعي؛ فإن الذين يستطيعون أن يدلوا فيه بدلوهم سواء في السعودية أو خارجها هم المتخصصون كغيره من العلوم؛ لأن لديهم عادة الدراسات والمقارنات اللازمة، ولديهم الخلفية الكافية للحديث في الموضوع، فضلاً عن كليات التربية المعنية بهذا الجانب والتي يفترض أن تشكل المرجعيات المعرفية في كل ما يتعلق به، ولدينا في الجامعات السعودية بالتأكيد أساتذة متخصصون، ذوو خبرة في هذا المجال.
ما زلنا في مجال الرياضة وشجونها… يلاحظ الآن أنه يوجد تعصب شديد للفرق الرياضية بين الشباب بمن فيهم طلبة الجامعات والمدارس الثانوية، بحيث يصل الأمر أحيانًا إلى أن ينتج عداوات شخصية.. كيف نستطيع أن نقلل من الآثار الجانبية لهذا التعصب للفرق الرياضية؟
الخطوة الأولى إلى العلاج هي أن تدرك أن لديك مشكلة. والحقيقة أن الميول إلى ناد معين أو الانتماء إلى فريق ما وتشجيعه يعدّ شيئاً طبيعياً، ولكن ما دام ذلك في حدود المقبول، فعندما يكون لديك ميول رياضي لفريق معين، فمن الطبيعي أن يظهر ذلك في بعض الحماس والنشاط الذي يعبر عن الفرح عقب فوز فريقك المفضل في لعبة معينة، فهذا حق من حقوق الإنسان الذي تكفله له حريته الشخصية، والتي هي نعمة أنعم الله بها على الإنسان، لكن بشرط ألا تتجاوز حدودها إلى التعدي على حقوق الآخرين. وعلى كل حال إذا أدركنا أن لدينا مشكلة، فأنا أعتقد أن ذلك هو أول خطوات إيجاد حلول لها، والخطوة الثانية هي دراسة هذه المشكلة لتشخيص أسباب وجودها ومعرفة مسبباتها، فإذا درسنا هذه المشكلة ومظاهرها وحددنا ما إذا كانت متغيرًا مستقلاً أو تابعًا مثلاً، فعلينا أن ندرس مسبباتها وتأثيراتها، ومن ثم نضع الحلول لها على ضوء ما يظهر لدينا من نتائج.
بدأنا في جامعة الأمير سلطان في تنظيم انتخابات طلابية ابتداءً من السنة الماضية، ونحن الآن على أبواب تنظيم دورة انتخابية ثانية، بصفتكم مهندس الانتخابات البلدية التي شهد لها الجميع بالنجاح.. نود من سموكم إسداء بعض النصح لنا وللطلاب من واقع خبرتكم في هذا المجال؛ لنتمكن من تنظيم انتخابات نزيهة وشفافة بالجامعة دون أن تشوبها عصبية قبلية أو ما شابه ذلك؟
الحقيقة يا دكتور، أن تنظيم الانتخابات البلدية كان عملاً جماعيًا، وكان سبب النجاح فيها هو توفيق الله عز وجل أولاً. وأنا على الرغم من أنني كنت رئيس اللجنة العامة للانتخابات، إلا أنني كنت عضوًا في مجموعة، وهذه اللجنة عملت معها لجان عديدة أخرى، وعملت معها إدارات تنفيذية، فنجاح الانتخابات لم يكن في الحقيقة نجاحًا فرديًا، وإنما هو نجاح جماعي، اشتركت فيه جهات عديدة. ولكي نكون واقعيين أحب أن أوضح أننا استعنا أيضًا في تنظيم الانتخابات بخبرات أجنبية؛ لأن التجربة كانت جديدة علينا بالكامل، وإمكاناتنا الوطنية المتاحة في هذا المجال لم تكن بالشكل الكافي. ومن هنا يتوجب علي أن أقدم شكري لتلك الجهات على مشاركتها لنا وتعاونها معنا. والاستفادة من الخبرات أمر ضروري وكان أمرًا مفيدًا جدًا بالنسبة لنا؛ لأن آليات الانتخابات وعملية إجرائها أصبحت علماً قائماً بذاته. فمما ساعدنا على النجاح ـ بعد توفيق الله عز وجل ـ أننا استعنا بذوي خبرة عالية، سواء من الهيئات العالمية مثل هيئة الأمم المتحدة، أو من الخبراء الذين يعتبرون مرجعًا في هذا المجال، مثل رئيس الإدارة العامة لجامعة لندن (School of Economics)، فهو مرجع عالمي في تحديد الدوائر الانتخابية، وله مؤلفات في هذا الجانب، وقد قدم لنا بعض المحاضرات. أما فيما يتعلق بتوظيف الـ(Information Technology) في الانتخابات، فقد أحضرنا أفضل جهة متخصصة في هذا الأمر، وهي (American link and system software)، فهي أكبر جهة في العالم معنية بالـ (IT) بالنسبة إلى الانتخابات، وهي التي وضعت لنا الإطار العام في هذا المجال. فرجوعنا إلى الجهات المتخصصة كان من أسباب نجاحنا في تنظيم هذه الانتخابات التي كانت تجربة جديدة لنا.
أما عن رأيي في الانتخابات الطلابية، فأقول: لو اطلعتم على أدبيات الموضوع، ستجدون أن انتخابات الجامعة تختلف عن انتخابات المجلس البلدي؛ لأن لكل انتخابات خصوصياتها. فانتخابات المجلس البلدي ليست مطابقة من حيث الآليات للانتخابات البرلمانية أو الرئاسية، وبالتأكيد ستكون هناك أدبيات انتخابية خاصة بالجامعات. وقد أصبح الأمر أكثر سهولة الآن مع الـ(Web Researchers) مثل (Google) وغيره. فلو بحثت في هذه المحركات عن خصوصيات انتخابات الجامعات وتجاربها على مستوى العالم أو على المستوى الإقليمي والعربي، فبالتأكيد ستصل إلى بعض الاستنتاجات المفيدة.. هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية علينا أن نستفيد من التجارب المحلية أيضًا، فهل تمت انتخابات طلابية من قبل في جامعات المملكة لنستفيد من تجربتها؟ فهذه المعلومات عندما يتم جمعها ستكون لديك رؤية شاملة في هذا الموضوع، فالاطلاع على تجارب الآخرين مهم جداً؛ وذلك لتفادي السلبيات التي حصلت لديهم، وأنا أعتقد أن لجامعة الملك فهد للبترول تجربة في الانتخابات، فضلاً عن وجود جامعات في المنطقة لها تجارب جيدة في مثل هذه الأنشطة مثل جامعة الكويت، وجامعة البحرين، فما خاب من استشار.
سمو الأمير، لو جاءك أحد الطلاب، وقال إنه مرشح لانتخابات جامعة الأمير سلطان فبم تنصحه؟ وما هو الأسلوب الأمثل الذي يجب أن يتبعه في إقناع الطلاب بانتخابه؟ هل بالوعود البراقة مثلاً أم ماذا؟
أعتقد أن أي شخص يتقدم للانتخابات يجب أن يكون هدفه الأساس هو الخدمة العامة، وليس المكاسب الشخصية فقط، ونحن لا نريد أن نكون مثاليين أكثر من اللازم، فننكر أن في الانتخابات مكاسب شخصية، فيمكن أن يُرشح الطالب نفسه ويحظى بالقبول، وهذا في حد ذاته مكسب، فضلاً عن استفادته من التجربة في تكوين شخصيته بشكل أفضل، ولكن يجب ألا تكون هذه المكاسب الشخصية هي الأساس، بل يجب أن تتوافق مع ما يخدم مصلحة الجامعة والطلاب. وأعتقد أنه من الجيد أن يتقدم الطالب الذي يجد في نفسه القدرة على إقناع الآخرين، والتأثير فيهم، ويحاول الحصول على فرصة لخدمة الجامعة وخدمة زملائه، فهذا كله يسهم في بناء شخصيته. أما أن يقدم المرشح وعودًا حسب إمكاناته، ويحاول أن يكون صادقًا في وعوده فلا يحالفه النجاح فهذا أمر آخر، فإن التوفيق بيد الله.
أنت أستاذٌ جامعيٌ للإدارة العامة، ونائبٌ لوزير الشؤون البلدية والقروية، فأين تجد نفسك؟ مع الطلاب وفي قاعة المحاضرات أم مع المواطنين ومشكلاتهم الحياتية اليومية؟
أنا قبل هذا وذاك إنسان مسلم ومواطن، وهذا أهم شيء عندي، فمن نعم الله علينا أن جعلنا من أتباع هذا الدين؛ لأن ذلك يجعلنا في أمان من التيهان ومواقف الحيرة الفلسفية التي قد يواجهها غير المسلم، مثل: من أنا؟ ولِم خلقت؟ وإلى أين أتجه؟ فأنا مسلم، وأرجو من الله عز وجل أن يعينني على عمل ما يرضيه، وأن يغفر لي ما قصرت فيه.
.. ولكن هل تجد نفسك أكثر في العمل الأكاديمي أم في الإدارة؟
أجد نفسي في العمل الذي أقوم به، فعلى الإنسان أن يعمل بهدف أن يرضي ربه ويرضي ضميره. ولكن مع ذلك أنوه بأن تجربة الجامعة كانت تجربة ثرية بالنسبة لي؛ حيث استفدت من تعاملي مع زملائي الدكاترة ومع إخواني الطلاب وأخواتي الطالبات اللاتي قمت بتدريسهن لمدة طويلة، وأرجو أن يكونوا جميعاً استفادوا مني كما استفدت منهم من خلال مناقشتهم في المحاضرات أو القيام بتصحيح أبحاثهم، فعملية الاستفادة في البيئة الأكاديمية هي عملية تبادلية بين الطلاب والأساتذة.
يقول منظرو الحضارة “إن الأمم تقاس بعقول أبنائها (أو لنقل برجالها) لا بكميات المباني والحديد على أرضها) فما رأي سموكم في هذه المقولة؟
مما لا شك فيه أن العقول نعمة، يمكن أن تسخر للخير كما يمكن أن تسخر للشر، فقد يأتي إنسان عبقري، ويحوِّل عبقريته إلى خدمة الشر والعياذ بالله. فأنا أعتقد أن الأمم تقاس بالعدل، وتقاس بما تقدمه من عمل، وما توفره من خدمات لمواطنيها، كما تقاس بتكافلها الاجتماعي، وبما تقدمه لقضاياها، فهذه هي المقاييس الصحيحة. فعلى الرغم من أن كثرة المتعلمين وأصحاب الفكر أمر إيجابي، إلا أن الأهم هو أن يسخروا ما تعلموه من علم وما اكتسبوه من خبرات للصالح العام. وأنا أعتقد أن الأمم تحقق تكافلها الاجتماعي بعدالتها، وبتوفير المقومات التي تحقق ذلك على أساس الفرص المتساوية، والله تعالى يقول: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم). فالفرص التي تهيئها المجتمعات لأبنائها مثل ما يمكن أن يسمى فرص التنقل الاجتماعي أو (Social Mobility) تعتبر هي الأساس، بحيث إن الإنسان إذا تعلم ووصل إلى مستوى اجتماعي أو اقتصادي معين يكون هناك عائد إيجابي ملموس من ذلك على حياته الشخصية وعلى حياة مجتمعه. أما أن تكون هناك عقول، ولكنها لا تسخر لصالح المجتمع فتلك عقول غير نافعة إن لم تكن ضارة. فاليهود ـ مثلاً ـ يمتلكون عقولاً جبارة إذا قيسوا بكثير من المجتمعات الأخرى، ولكن من المعروف تاريخياً أنهم لم يستخدموا هذه العقول في الغالب إلا في الشر.
بصفتك أستاذاً جامعياً للإدارة العامة،، فكيف ترى مستقبل هذا التخصص ومستقبل خريجيه في سوق العمل السعودية؟
هناك أمر أريد توضيحه في موضوع الإدارة العامة، هو أن هذا الموضوع يخدم القطاع الحكومي بشكل رئيس. والقطاع الحكومي ما زال من الأهمية بمكان في بيئتنا؛ لأننا لو ألقينا نظرة على جوانب التنمية المختلفة، وخصوصًا الخدمات التي يحظى بها المواطن، سنجد أن القطاع الحكومي هو صاحب الدور الأكبر في تقديمها، وحتى لو راجعت نسبة مساهمة القطاع الحكومي في الـ (GDP) أو الناتج المحلي العام فستجد أن القطاع العام ما زال هو القطاع الأكبر في الدولة. وعندما تقرأ عن نوعية الحياة في معاييرها الأساسية التي وضعتها الأمم المتحدة، ستجد أن ما يقدمه القطاع الحكومي من خدمات يؤثر إلى حد كبير في نوعية الحياة (Quality of life) التي يعيشها المواطن. فمعنى هذا أن القطاع الحكومي قطاع مهم.
ولا شك أن من العوامل الأساسية لنجاح أي قطاع أو منظمة ـ بعد توفيق الله عز وجل ـ هو توفر الكوادر أو الموارد البشرية المؤهلة، ما يعني أن نجاح المنظمة مرتبط بنجاح أفرادها. فلهذا يلزمنا كمواطنين في المؤسسات التعليمية وفي أقسام الإدارة العامة أن نقدم لوطننا كوادر متميزة؛ لأن مستوى ما يحصل عليه المواطن من خدمات سيرتبط بمدى جودة أدائها. إلا أن هناك قضية في الإدارة العامة سبق لي أن كتبت بحثاً عنها، وهي: هل الإدارة العامة احتراف أم لا؟ فنحن ـ مثلاً ـ نجد أن هناك مناصب إدارية بحتة، ولكن من يمارسونها ليسوا متخصصين في الإدارة العامة. فهنا تجد أن ما درّسناه من نظريات إدارية لطلابنا في الإدارة العامة أو الإدارة المالية وسواها لا يتم تطبيقه بشكل كاف في الإدارات الحكومية، بل إنه أحيانًا لا يطلب من الخريجين سوى أشياء بسيطة مما درسوه في هذه الدوائر مثل تحليل المعاملة. فمما يلاحظ للأسف أن هناك فجوة بين ما يتعلمه الطالب في الإدارة العامة وما يمارسه الخريج في عمله. والسبب الرئيس في ذلك من وجهة نظري هو أن الكثير من القائمين على إدارة الأفراد أو الموارد البشرية غير متخصصين في الإدارة أصلاً، فعندما يأتي طالب الإدارة العامة لا يعامل على أساس أنه يجب أن يتسلم أدوارًا قيادية في المستقبل، بحيث تتم تهيئته أو ربطه ببرنامج عمل على أساس أن يكون له الدور القيادي غداً في المؤسسة، بل يعامل كأي موظف آخر. لذلك أقول إن لدينا خللاً في الربط بين الإطار النظري والإطار التطبيقي في الإدارة العامة، وهذا الخلل هو تحد واقعي، أعتقد أنه يجب أن يكون من المهام المنوطة بجمعية الإدارة السعودية وكذلك الأجهزة الحكومية ثم المدنية التغلب عليه.
كثر الحديث عن مستوى التعليم الجامعي لدينا، وأن مستواه أقل من مستواه لدى كثير من الأمم، فما رأي سموكم في هذه القضية؟
أنا أعتقد أن كل الدول الآن تواجه تحدياً يتمثل في التغير الحاصل الآن في جميع مناحي الحياة، وهو تغير متسارع. ومن ملامح هذا التغير أن ما يسمى (اقتصادات التعليم) أصبحت في المقدمة؛ فإذا كنت تريد أن تتطور، فإن تطورك هذا محكوم بمدى تكيفك مع هذا الوضع، فعليك أن تعرف كيف توازن بين هذا الواقع وبين أن تحقق النمو المنشود بإمكاناتك المتوفرة. أما ما يتعلق بحكاية التصنيف، فأنا أعتقد أنه أمر نسبي، ويحتاج إلى نظرة أكثر عمقًا. فلو أخذنا جامعة الملك سعود مثلاً، سنجد أن هناك عدة كليات، وكل كلية فيها عدة أقسام؛ ومن بين هذه الكليات كليات متميزة، وكليات أخرى ليست بنفس المستوى، كما أن الأقسام أيضًا تختلف مستوياتها داخل الكلية الواحدة، فبعضها متميز، وبعضها متوسط…وهكذا. الخلاصة أن هناك تفاوتاً في الجامعات وتفاوتًا بين الكليات، وأنا لا أستطيع أن أعمم وأقول إن كلية الطب أو كلية طب الأسنان مثلاً متميزة بالإجمال؛ لأن التميز الأكاديمي له معايير محددة ومعروفة لا بد أن أتأكد من مدى توفرها. وهذا التفاوت قد تجدونه عندكم في جامعة الأمير سلطان، وحتى في الجامعات العالمية، في (Harvard) مثلاً يحصل هذا التفاوت بين كلية وأخرى، فأنا لا أستطيع أن أقول إن (Harvard) متميزة في الـ(Education) بنفس التميز الموجود في الجامعات الأخرى المتخصصة في هذا المجال. فلكي نكون منصفين يجب أن ننظر إلى الموضوع نظرة موضوعية، ولا سيما أن بعض الجامعات لدينا بها عشرات الأقسام والبرامج، فيجب أن ننظر إليها نظرة موضوعية، ولا نختزلها في أبيض أو أسود بالمطلق.
هل تتوقعون أن يسهم التعليم الجامعي الأهلي في سد ثغرات التعليم لدينا؟
الجامعات الأهلية أو بالأحرى الجامعات الخاصة في أمريكا مثل جامعة (Harvard)هي من أميز الجامعات؛ لذلك أنا أتمنى أن تجد الجامعات الخاصة في بلادنا دعماً قوياً من المجتمع ومن الدولة لتحقق هذا التميز، وأنا أعتقد أن وجودها عامل منافسة إيجابية، سيسهم في تحسين مستوى التعليم.
بما أنكم تتحدثون عن التعليم الخاص ما رأيكم في جامعة الأمير سلطان على وجه التحديد؟
أول شيء هذه الجامعة تحمل اسم شخص عزيز علينا جميعًا، مما يشكل عبئًا كبيرًا على القائمين عليها لترقى إلى مستوى الاسم الذي تحمله.
الأمر الثاني أنه لم يحصل لي أن تعاملت مباشرة مع الجامعة، ولكن سمعت إشادة بها من أشخاص أمناء أثق برأيهم، ولديهم المعرفة اللازمة بالمعايير (Standards) التي تقوّم على أساسها الجامعات، وعمومًا فإن المطلوب من هذه الجامعة أن تكون من المؤسسات التي تحمل لواء التطوير في قطاعها، وأن تسير دائماً من حسن إلى أحسن.
سمو الأمير، أين دور وزارة الشؤون البلدية والقروية فيما هو ملاحظ الآن من غلاء الأسعار، وهل لها دور في الرقابة على الأسواق؟
غلاء الأسعار ظاهرة عالمية ناتجة ـ في بعض جوانبها ـ عن قانون العرض والطلب؛ لأنه إذا قل العرض سيرتفع الطلب، ومن ثم سيرتفع السعر تلقائيًا، وهناك أيضًا أسباب أخرى لارتفاع المواد الاستهلاكية، منها ما يتعلق بالتغيرات المناخية، ومنها ما يتعلق بارتفاع أسعار الوقود، بالإضافة طبعًا إلى ارتفاع الطلب عليها بشكل خاص. فكل هذه الأسباب أدت إلى ارتفاع أسعارها عالميًا، وليس في المملكة فحسب. إلا أن ما يجب أن نركز عليه هنا هو التفريق بين المواد الأساسية والمواد الثانوية؛ وما يهمني أكثر هو أسعار الفئة الأولى، فمثلاً إذا كان الغلاء في الرخام أو الفرو فإنه يكون أقل وطأة؛ لأن من سيشتري هاتين السلعتين فئة محدودة، فما يهمني في الأساس هو أسعار المواد التي تمس حياة كل المواطنين كالغذاء والأدوية؛ أي الأمور الأساسية للحياة. فهذه الأشياء هي التي يجب أن تستحوذ على اهتمامنا، واهتمام المخططين الاقتصاديين للبلد. وعلى كل حال فإن ارتفاع الأسعار يعدّ شيئاً طبيعياً مع دخول المملكة في منظمة التجارة العالمية لأن الميدان أصبح ميدان منافسة لا بد أن تثبت قدرتك فيها؛ فلم يعد الأمر كما كان بحيث تستطيع أن تحتكر السلع كما تشاء. وأعتقد أن الدولة الآن اتخذت عدة خطوات للتعامل مع هذا الوضع، ومن ضمنها الإعانة التي قدمتها لبعض المواد، وتفعيل الرقابة أكثر وتوسيع مجال العرض ليكون أكبر، والعملية تحتاج إلى فترة لتعود الأوضاع إلى ما كانت عليه. وعلى العموم فإن وزارة الشؤون البلدية والقروية ليست هي الجهة المعنية بتحديد السعر أو مراقبته، وإنما هذا الأمر من اختصاص وزارة التجارة، لأنها المعنية بهذا الأمر، فدور الوزارة يكمن في مراقبة النظافة والصحة البيئية ومنح التراخيص بعد استكمال شروطها، فليس من اختصاصنا مثلاً أن نطلب ممن يبيع الأرز أن يبيعه بسعر كذا؛ لأن إدارة حماية المستهلك موجودة في وزارة التجارة وليس في وزارة الشؤون البلدية.
60 % من سكان المملكة دون سن الشباب، وأمانة الرياض أخذت خطوة رائدة في إنشاء الساحات الشعبية للشباب داخل الأحياء، ما رأيكم في هذا المشروع؟ وكيف نستطيع أن نحول هذه الساحات إلى مكان للتعليم والترفيه في نفس الوقت؟
أولاً أهنئ سمو الأمير عبد العزيز بن عياف والإخوان في الأمانة على التطور الذي نلمسه في خدمات البلدية، ففكرة الساحات الشعبية في رأيي فكرة جيدة، خصوصًا إذا روعي في تصميمها وإدارتها أن تكون تلبي حاجة سكان الحي، حيث إننا في مجتمع محافظ، له خصوصياته وثقافته الخاصة.
والحقيقة أن مثل هذه الخدمات ضرورية في بلد ينتهج أسلوب الاقتصاد الحر، حيث تكون الخدمات المتوفرة عادة متفاوتة من حيث الجودة، ويتم تصنيفها إلى عدة فئات، كما أن القطاع الخاص يكون منافسًا فيها للقطاع الحكومي. ففي قطاع الصحة مثلاً هناك مستشفيات أهلية ومستشفيات حكومية، وكذلك في التعليم، هناك التعليم الخاص الذي يقدم الترفيه بجانب التعليم، وهناك بعض القطاع الحكومي وبعض القطاع الخاص أيضًا الذي يكون بعضه أقل درجة من بعض. من هنا أستطيع أن أقول إنه كلما كان دخلك أعلى ستكون فرص اعتمادك على القطاع الحكومي أقل، وكلما كان دخلك أقل، يكون اعتمادك أكثر على القطاع الحكومي. فإذا كان دخلي محدوداً عندئذ لا أستطيع أن أرسل أبنائي إلى مستشفى خاص أو أرسلهم إلى مدرسة خاصة، ولكن إذا كنت أنت غنيًا تستطيع أن تفعل كل ذلك. وهذا يعني أن الاهتمام بمثل هذه الخدمات من الجهات الرسمية واجب لتحقيق العدالة بمفهومها الشامل. فمثلاً ستجد الإنسان ذا الدخل المحدود لا يستطيع السفر أو دفع مبالغ كبيرة في السياحة، وهنا يأتي دور الدولة في أن تهيئ له بدائل أخرى أو ما يعرف بالـ(Free Riders) ضمن ضوابط معينة، فأنت بسبب وجود هذا التفاوت ملزم أدبياً بأن توجد مثل هذه البدائل مع وضع الضوابط اللازمة لها لتحقق العدالة؛ لذلك عندما أبدى لي بعض الإخوان وجهة نظرهم حول عدم رضاهم عن وجود مثل هذه الساحات التي يتجمع فيها الشباب داخل الأحياء؛ قلت لهم: ولكن أين سيذهب هؤلاء الشباب في ظل عدم توفر بدائل أخرى؟ فهذه مسؤوليتنا ومسؤولية الدولة أن نوجد مثل هذه الخدمات ضمن الضوابط اللازمة.
نصيحة أخيرة تقدمونها للشباب، وخاصة طلاب الجامعة؟
أنصح نفسي أولاً وأنصحهم بأن نضع الله سبحانه وتعالى نصب أعيننا في كل ما نقوم به، وأن نأخذ دائمًا بما هو في صالح ديننا ودنيانا.
(لقاء قديم مع سمو الأمير منصور بن متعب لطيف الجامعة (جامعة الأمير سلطان) أبريل 2008
اشكرك اخي الكريم على مجهودك الذي تبدله !