قصص في السماحة في البيع والشراء
عند كتابة كتابي الأول أخلاقيات التسويق رجعت للكثير من الكتب الغربية عن أخلاقيات التسويق والبيع والتعامل وكانت تجارب رائعة وموثقة. وأستغربت لقلة الكتب في مكتبتنا العربية تهتم بمثل هذه الأمور التي توثق وتشجع تجارنا في عالمنا العربي والإسلامي وتبرزها بطريقة تسويقية مهنية. وهذه فرصة للباحثين في الشروع لكتابة كتب توثق قصص تجارنا المسلمين وهي كثيرة كما في هذه المقالة التي ساعدني في جمعها كلا من الدكتور عبدالقادر الخطيب الأستاذ بجامعة الأمير سلطان وكذلك الأستاذ أحمد الشنقيطي مدير تحرير صحيفة طيف الجامعة بجامعة الأمير سلطان فلهم شكري وتقديري. وأعتقد إن المجال واسع للباحثين والمهتمين للتطرق لمثل هذا الموضوع.
عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما ، أن رسول الله ـ صلى اللهعليه وسلم ـ قال: (( رحم الله رجلاً سمحًا إذا باع ، و إذا اشترى ،وإذا اقتضى (رواه البخاري: 2076)
مثال رقم 1:
خرَّج الشيخان البخاري ومسلم في صحيحيهما، وهما أصح كتابين بعد كتاب الله، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “اشترى رجلٌ من رجل عقاراً، فوجد الذي اشترى العقار في عقاره جَرَّة فيها ذهب، فقال الذي اشترى العقار للبائع: خذ ذهبك، أنا اشتريت منك الأرض، ولم أشتر الذهب؛ وقال الذي باع له الأرض: إنما بعتُك الأرض وما فيها؛ فتحاكما إلى رجل، فقال الذي تحاكما إليه: ألكما ولد؟ قال أحدُهما: نعم؛ وقال الآخر: لي جارية ـ أي بنت؛ قال: أنكحا الغلام الجارية، وأنفقا على أنفسهما منه؛ فانصرفا”.
لا يدري والله المطلع على هذا الحديث أن يعجب أكثر من البائع، أم من المشتري، أم الحكم؟ فكل واحد منهم أشد عجباً وأعظم ورعاً من الآخر.
ما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الحادثة لأمته إلا لتتخلق بمثل هذه الأخلاق الفاضلة، وتتشبه بهؤلاء الثلاثة: البائع، والمشتري، والحكم، وإلا لتتعامل بالصدق وتحفظ الأمانة، وتحرص على الشرف وحسن السمعة، ولا يستحل أحدُنا ما لا يستحقه، فتحصل الثقة، وتحل البركة، ويخف الطمع، ويصح الورع،
“من أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمتَ عليه قائماً”، وإن كان أهل الكتاب الآن في التعامل الظاهري في البيع والشراء أصدق من كثير من المسلمين.
ونصيحتي لتجارنا أن يعوا ذلك، وأن يتشبهوا بأسلافهم الأخيار، ولا ينساقوا وراء الطمع والجشع، فيخسروا الدنيا والآخرة، وليعلموا أن الحرام يُذهب الحلال والحرام.
مثال رقم 2:
اشترى سليمان عليه السلام الأرضَ التي بنى عليها المسجد الأقصى من رجل، فبعدما لزم البيع قال لصاحب الأرض: اعلم أن أرضك أقيم مما أعطيناك من المال، فهل أنت راضٍ به؟ فما زال الرجل يستزيده ويزيده سليمان إلى أن قنع.
مثال رقم 3:
وما فعله سليمان كان يفعله الصحابي حكيم بن حزام، حيث اشترى له غلامه حصاناً بثلاثمائة دينار، فذهب حكيم إلى صاحب الحصان، وقال له: اعلم أن حصانك أقيم عندنا من الثلاثمائة، فاستزاده الرجل فزاده إلى ستمائة دينار.
نحن لا نطمع من إخواننا التجار، والسماسرة، والوسطاء أن يكونوا بهذا الورع، ولكن نطلب منهم فقط تجنب الحرام البين، وتجنب ما نهى عنه صاحب الشريعة في البيع والشراء من السوم على سوم أخيه المسلم، أوالبيع على بيعه، ومن النجش، وأن يبيع حاضر لبادٍ، ومن الغرر، والخديعة، ومن الغبن الفاحش والغش الواضح، وعن تطفيف المكيال والميزان، ونحو ذلك من المحرَّمات والمنهيات، والله الموفق إلى كل خير، والهادي إلى سواء السبيل.
هذه فقط ثلاث قصص من قصص كثيرة وأتمنى منكم تزويدي بأي قصص ترسخ فينا قيم السماحة والحب.