التسويقثقافه تسويقيه

نحو ثقافة تسويقية (4) (المسؤولية الاجتماعية للشركات السعودية 1)

امتدادًا للسلسلة السابقة (نحو ثقافة تسويقية) فإننا ابتداءً من هذا العدد نبتدئ سلسلة جديدة تحت عنوان (المسؤولية الاجتماعية للشركات السعودية) تهدف إلى إبراز الدور الاجتماعي (المفترض) للشركات مع تحليل لواقع السوق السعودي في هذا الجانب، ومقارنة واقعه ببعض التجارب العالمية في هذا المجال. فما لا شك فيه أن كل جهاز سواء كان جهازًا حكوميًا أو شركة أو هيئة أو فردًا لديه مسؤولية نحو مجتمعه الذي يعيش فيه تكبر هذه المسؤولية وتصغر بقدر الإمكانات ومدى الحضور المفترض للجهة المعنية في حياة المجتمع.
وهذه المسؤولية لها جانبان: جانب سلبي (بمعنى أنه لا يتطلب عملاً) وهو أقل درجات هذه المسؤولية والكل يمتلك القدرة عليه، ويتمثل في الامتناع عن القيام بأعمال تضر بالمجتمع أو الشروع فيها.
أما الجانب الآخر الأهم، والذي يمثل الناحية الإيجابية في المسؤولية فهو الارتقاء من مجرد الامتناع إلى المشاركة (بل الريادة) في الأعمال التي تعود بالنفع على المجتمع، أو تسهم في تطويره أو تحسين ظروف الحياة فيه.

وفي هذه المقالات سيتركز حديثنا على المسؤولية الاجتماعية للشركات على وجه الخصوص لأهميتها نظرًا لما تتمتع به الشركات من إمكانات، ولأهميتها الحيوية للمجتمعات التي تعمل فيها غالبًا، وارتباطها الوثيق بالواقع المعيش لأكثر الناس، سواء كانوا عملاء لمنتجاتها أو جيرانًا لمصانعها أو محلاتها أو عاملين فيها أو شركاء في رأس مالها…الخ. وفي اعتقادي أن مسؤولية الشركات تجاه المجتمعات مسؤولية كبيرة، وتغطي كافة النواحي المهمة في حياة الناس سواء تعلق الأمر بالنواحي الاجتماعية أو الترفيهية أو البيئية أو البني التحتيه.

وبين أيدينا مثال حي ومشرق يوضح كيف تستطيع الشركات ـ إذا قامت بمسؤوليتها تجاه المجتمع ـ أن تغير حياة الناس دون أن تخسر شيئًا…بل إنها ستكسب ماديًا ومعنويًا لا محالة.
يتذكر كبار السن لدينا (بالمنطقة الشرقية خصوصًا) كيف لعبت أرامكو السعودية دورًا مهمًا في النهوض بالمجتمع المحلي بتلك المنطقة، من خلال شق الطرق وبناء المستشفيات والمدارس ونشر الوعي الثقافي وتطوير الموارد البشرية، حتى كان الانتساب إلى أرامكو جواز عبور إلى المجتمع، ودليلاً على المكانة الرفيعة للشخص الذي يحظى به. كل ذلك لسمعة الشركة ومكانتها بين السكان نتيجة للدور الذي لعبته في حياتهم.
وهناك من يرى أن المسؤولية الاجتماعية للشركات تنحصر في الامتناع عما يضر المجتمع الذي تمارس فيه أنشطتها، فتتجنب الإضرار بالبيئة والبنية التحتية، والأعمال ذات العلاقة بالغش والتدليس في تعاطيها مع عملائها…ولا شيء يلزمها بعد ذلك.
ويؤيد هذا الطرح بعض الاقتصاديين من أمثال ميلتون فريدمان الحائز على جائزة نوبل؛ الذي يؤكد أنه ما دام هدف أي شركة هو تعظيم أرباحها فإن مسؤوليتها منحصرة في عدم الإضرار بالمحيط الاجتماعي والبيئي والابتعاد عما يسبب لها الخسارة.
وهو لا يمانع في أن تضطلع الشركات بدور اجتماعي إيجابي، وإنما يرى أن تقوم بذلك من منطلق بناء سمعتها من أجل تحقيق أرباح أكثر، لا من منطلق المسؤولية الأخلاقية.
وعلى العكس من فريدمان يؤكد الاقتصادي الشهير إدوارد فريمان على المسؤولية المبدئية للشركات تجاه النهوض بالمجتمعات التي تعمل بها، وأن الربح سوف يتحقق تبعًا لذلك كنتيجة لرضا المجتمع عن الشركة وأدائها.
والمسؤولية الاجتماعية للشركات تشمل جوانب كثيرة، فبالإضافة إلى الالتزام بالأنظمة والقوانين المتبعة، هناك ما يتعلق بالنواحي الصحية والبيئية، ومراعاة حقوق الإنسان ـ وخاصة حقوق العاملين ـ وتطوير المجتمع المحلي، والاهتمام بالأقليات، والمشاركة في الأعمال الخيرية والعمل التطوعي، والالتزام بالمنافسة العادلة والبعد عن الاحتكار، وإرضاء المستهلك، والشفافية في العمل والبعد عن الفساد الإداري والمالي والأخلاقي…إلى غير ذلك من العوامل التي يرتبط بعضها ببعض، وتشكل في مجموعها الأساس للمسؤولية الاجتماعية للشركات.
يتواصل في العدد القادم.

د. عبيد بن سعد العبدلي

مؤسس مزيج للاستشارات التسويقية والرئيس التنفيذي أستاذ جامعي سابق بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن

مقالات ذات صلة

‫5 تعليقات

  1. تحياتي دكتور

    في رأيي المتواضع بأن أرامكوا هي الشركة الوحيدة في المملكة والتي تُدِرس حتى الأن مفهوم المسئولية الإجتماعية مع أنها حتي لو لم تقم بعمل ذلك فنحن مجبرون على منتجاتها بدون منافس ولو طبقت جميع الشركات هذا المفهوم بنفس طريقة أرامكوا منذ زمن لكنا في مصاف الدول المتقدمة ولكن بنوكنا وشركاتنا يا قلب لاتحزن وأولهم شركة الإتصالات السعودية

  2. تحياتي دكتور

    أود كذلك إضافة تعقيب على هذا الموضوع حيث لاحظنا في السنوات الأخيرة قيام بعض الشركات في المملكة بعمل أنشطة في خدمة المجتمع وتسمى بادارة المسؤولية الاجتماعية داخل الشركة وتكون تابعة للعلاقات العامة أو لقسم التسويق، و هذه الشركات لديها ميزانيات متواضعة كل على حدى كما أن لهم برامج متعددة في خدمة المجتمع ولكن بنتائج متواضعة جداً وأرى بأنه من الضروري إنشاء مرجعية لهذا الموضوع كمركز وطني أو هيئة مستقلة والذي تنضم تحت مظلته هذه الشركات الحالية ومن يرغب في الانضمام مستقبلاً. وتكون هناك مرجعية لهذه الشركات وعضوية في بوتقة واحدة تحت رئاسة خادم الحرمين الشريفين أو سمو ولي العهد أو النائب الثاني ، حيث تجتمع هذه المجموعة مرة واحدة سنوياً لعرض الانجازات خلال العام المنصرم ويؤسس لها جمعية عمومية ومجلس إدارة وتستفيد هذه الشركات من عضويتها في تفعيل دورها في خدمة المجتمع على أن تقوم الهيئة في حل المعوقات التي تواجه تفعيل خدمة المجتمع لدينا في المملكة مثل: ضعف الموارد المالية لمراكز خدمة المجتمع في الشركات الاهلية. بعض الأنماط الثقافية السائدة في المجتمع كالتقليل من شأن خدمة المجتمع. ضعف الوعي بمفهوم وفوائد المشاركة في العمل الاجتماعي. قلة البرامج والانشطة الاجتماعية التي تنفذها المؤسسات الحكومية والأهلية. قلة البرامج التدريبية الخاصة بتكوين جيل جديد من المتخصصين و صقل مهاراتهم في العمل الاجتماعي.
    شخصياً قمت بعمل بحث موسع عن هذا الموضوع ووضعت أنشطة وأهداف تدعم فكرة إنشاء الهيئة وكذلك طريقة عملها لتفعيل دور المسئولية الإجتماعية للشركات والمؤسسات الحكومية بشكل أفضل والإستفادة من خبرات من سبقونا في المجال من الدول المتقدمة.  

  3. عندك امثلة كثيرة ولله الحمد مثل:
    برنامج “خير الجزيرة لأهل الجزيرة” في بنك الجزيرة,
    http://www.alriyadh.com/2006/06/09/article161448.html

    وشركة الاتصالات السعودية تبرعت بـ100 مليون لبناء مستوصفات,
    http://www.alriyadh.com/2006/06/12/article162193.html

    وتوظيف المعاقين
    http://www.aleqt.com/2009/04/19/article_218030.html

    الأمير الوليد بن طلال يتبرع بإنشاء 10 آلاف منزل للفقراء
    http://www.alyaum.com/issue/article.php?IN=10754&I=34116

    ولكن أتمنى من ملاك الشركات الكبار ان يتبرعوا بنسبة من أسهم شركاتهم – ولو 1% – لجهات خيرية متفرقة حتى يعم الخير ويقضى على الفقر

  4. صحيح أن هناك الكثير من الأمثلة المشابهة لبعض الشركات بالاضافة للشركات التي ذكرت مثل عبداللطيف جميل ، صافولا ، مجموعة دلة البركة ، البنك الأهلى، سامبا، ساب، مجموعة الفوزان وغيرهم الكثير من الشركات وفقهم الله ولكن هذه الأعمال غير منظمة ولا تمثل ما يعادل ١٪ من إجمالي أرباحها وغير موجهة في مكانها الصحيح بل وتفتقد إلى التوجيه الصحيح والخبرة في التنفيذ بإمكانك التأكد من كلامي من خلال مقابلة أحد المسئولين عن هذه الإدارات داخل هذه الشركات وسؤاله عن إستراتيجياتهم خلال ال١٠ سنوات المقبلة وستعرف من الجواب . هذه الشركات تتسابق للإعلان في الوسائل الإعلامية عن ما تقدمه من خدمات وهو من حقها لأنها تدفع قيمة هذه الأخبار ويعتبرونه جانب تسويقي . لكني أعود لمقالة الدكتور وأقول إن المسؤولية الاجتماعية هي مسألة طوعية، ومع ذلك فإنها تقتضي الذهاب إلى أبعد من الإعلان أو التباهي بالتبرعات أو إطلاق بعض البرامج التقليدية التي أصبحت تتشابه في مضمونها لدى عدد كبير من الشركات ، والدليل على ذلك أننا لم نشاهد حتى الآن أي استراتيجيات خاصة ومتطورة تساهم في حل المشكلات اليومية لأفراد المجتمع من خلال برامج التوعية المرورية والاستهلاكية والوقائية والبيئية والاجتماعية والتعليمية على سبيل المثال لا الحصر وهناك المزيد والمزيد. يتعين على شركات القطاع الخاص أن تضع المسؤولية الاجتماعية في صلب استراتيجياتها بعيداً عن العلاقات التسويقية والعامة وإدارة الأزمات، إذ إن هذه المسؤولية هي في المقام الأول رسالة صدق وخدمة إنسانية تهدف إلى تحسين حياة المجتمع من خلال تناول مشكلات معينة في بيئة معينة وإيجاد حلول عملية لها وعلـى مدى بعيد.
    هذه قصة بسيطة عن تجربة شركة نيو آيلاند كلوثينغ وهي شركة بريطانية في دولة نامية وهي كمبوديا تعلمون بأن كمبوديا هي البلد الوحيد في العالم الذي تقوم منظمة العمل الدولية فيه بنشر أسماء المصانع وما تحققه في عملية التحسين. تقول روس هارفي كبيرة المستشارين الفنيين في برنامج (مصانع أفضل) إن شروط العمل في كمبوديا كانت سيئة للغاية: ” ولكن، خلال الأعوام الخمسة الماضية شهدنا تحسناً ملموساً. وعلى سبيل المثال، المرتبات تُدفع بانتظام، وكذلك أجر العمل الإضافي، وتحصل النساء على إجازة أمومة. ورغم ذلك، لا تزال هناك مشاكل. الأمور ليست مثالية في كمبوديا، ولكننا منخرطين في عملية تحسين تعود بفوائد حقيقية على العاملين”. كما حقق البرنامج نتائج غير متوقعة وأضافت: ” لقد تحسّن وضع النساء داخل أسرهن بدرجة كبيرة حيث أصبحن العائل الرئيسي. وهذا أمر مهم للغاية في كمبوديا. وضع النساء متدن جداً إذا قارناه بوضع الرجال. هناك اتجاهات مقلقة فيما يتعلق بالعنف الأسري ومعاملة الرجال للنساء. وإذا استطاع هذا القطاع من الاقتصاد وهذه الفرص أن تصحح بعض هذه الأوضاع وتخلق وضعاً أفضل للنساء، فاعتقد أن هذا أثر إيجابي حقيقة”. وكذلك ساهم برنامج مصانع أفضل في القضاء على واحدة من أكبر المشاكل في جنوب شرق آسيا: (عمالة الأطفال) معظم النساء اللائي يعملن في المصانع حالياً تبلغ أعمارهن أكثر من 18 سنة. ووفقاً لما تقوله روس هارفي: ” تهتم منظمة العمل الدولية كثيراً بحماية الأمومة والحق في الرضاعة الطبيعية اللذين يحميهما القانون الكمبودي، وذلك لضمان أن تتاح للنساء هذه الخيارات بالفعل، حتى يستطعن الجمع بين العمل وحياتهن الأسرية. لا يقوم برنامج “مصانع أفضل” بمراقبة صناعة الملابس فقط، بل أيضاً يساعد المصانع لتحسين شروط العمل. وينفق البرنامج أكثر من نصف ميزانيته على التدريب والتعليم.تقول روس هارفي: ” هذا وضع فريد، خاصة في سياق المسئولية الاجتماعية المشتركة. إنه يعني أن الشركات الكبيرة التي تعمل في الدول النامية، يجب عليها أن تعمل على ضمان أن شروط العمل وظروفه في الدول التي تعمل بها تلتزم بالقانون. ونحن، في كمبوديا نراعي ذلك بالفعل كما نوفر المعلومات بشفافية تامة. هذا يؤكد أن (المسئولية الاجتماعية المشتركة ) ليست مجرد كلام” كما يحدث لدينا والله أعلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق