التسويق

أسماء الماركات تساوي المليارات

بقلم خالد سالم السالم

khalid.alsalem@gmail.com

أهتمُ كثيراً بالأسماء التجارية (أسماء الماركات)، وأرى أن للاسم دوراً في نجاح العمل التجاري، بناءً على ما أكدته نتائج دراسات أكاديمية متخصصة. فالاسم هو أول وأوضح عُنصر يعبِّر عن الهوية، وأول نقطة احتكاك بالناس، وأول رسالة ترويجية «مجانية» يتم توجيهها، وهو كذلك حجر الأساس لبناء هوية المؤسسة وتشكيل صورتها الذهنية.والاسم التجاري تزداد قيمته مع الوقت، ويصبح أصلاً مستقلاً من أصول المؤسسة، له وحدهُ قيمته التي قد تفوق قيمة ما تملكه المؤسسة من أصول ملموسة (كالأراضي والعقارات والسيارت والأجهزة). وتزداد هذه القيمة مع ازدهار المؤسسة ورواج منتجاتها وذيوع صيتها. وتسمى هذه القيمة في عُرف المحاسبين بقيمة الشهرة (Goodwill Value)، والتي قد تصل إلى عدة مليارات في بعض الحالات. ويشير ارتفاع قيمة الشهرة إلى ثقة المستهلِكين في منتجات المؤسسة أو خدماتها، والتي يمكن ترجمتها واقعياً بارتفاع مستوى المبيعات، والأرباح لاحقاً في آخر العام.لذا كان من المهم جداً التفكير ملياً باسم مناسب للمؤسسة أياً كانت طبيعة نشاطها (متجر، مطعم، بنك، مؤسسة خيرية، نادي رياضي.. إلخ)، وطرحُ خيارات عديدة لاختيار الأفضل منها، وعدم إشهاره، حتى يتم تسجيله قانونياً لدى الجهة المختصة. أذكر أن إحدى شركات التمويل العقاري هُنا، التي كنت أعملُ لحسابها، اختارت اسماً تجارياً لها وأطلقته في حفل عام، نشرَتْ الصحف تفاصيله. وبعد عدة أشهر من بدء عملها، وصلها إنذار من إحدى الشركات الإماراتية العاملة في المجال ذاته، يحذرها من استخدام الاسم لأنه مسجل باسمها في كل دول الخليج! وقد تبين لاحقاً أن الشركة الإماراتية سجّلت الاسم التجاري مباشرة بعد قراءة خبر إطلاق الشركة السعودية في الصحف. لقد خسرت الشركة السعودية ما استثمرته في الإعلان والترويج طيلة فترة بدايتها، بسبب إغفالها تسجيل الاسم الذي اختارت حمله، قبل إشهاره.ومن المثير معرفته، أن الاسم المختار ليس بالضرورة أن يكون مستوحى من نشاط المؤسسة أو مجال عملها أو نوع منتجاتها. وقد رصدَت دراسة أمريكية ظاهرة مثيرة للاهتمام، بيَّنَت أن المؤسسات التي استقت أسماءها من خارج نطاق عملها، قد تكون أكثر نجاحاً وتفوقاً من تلك التي استقت أسماءها من نفس مجال عملها (ماكدونالدز مقارنةً مع برجر كينغ، أبل مقارنةً مع مايكروسوفت، بيبسي مقارنةً مع كوكا كولا).لكن، ومع بداهة اختيار اسم جميل ومناسب للمؤسسة، إلا أننا ما نزال نرى في السوق من الأسماء ما يصيبنا بالحيرة والدهشة، لعدم مراعاتها لأبسط بديهيات التسمية، التي لا تَلزمُ معرفتُها خبرةً أو مهارة. معرض أثاث في الرياض، يبيع غرف النوم، اسمه «البنَاء والعمَار»! دواجن شهيرة في المنطقة الشرقية اسمها «التُّقى»! شركة مقاولات اسمها «البناء والتعمير»، ولا أدري ما الفرق بين البناء والتعمير! أحدهم افتتح مستوصفاً أسماه مستوصف الدار البيضاء ووضع بعده بين قوسين (كازابلانكا).. بدا لي أن مالك المستوصف مدرِّس جغرافيا في الأصل! مطعم أرز ولحم وبصل وزفر في الرياض يحمل اسم «الرومانسية»! دجاج مجمّد يحمل اسم الريشة البيضاء، من يتمنى أن يجد ريشاً أبيض في طعامه؟الشركات العالمية المحترمة تبذل جهداً كبيراً في اختيار أسماء منتجاتها، لكي لا تتفاجأ بارتباطات ثقافية سلبية للاسم المختار في لغات أخرى، ما قد يهدد أو يمنع بيع ورواج منتجاتها عالمياً. وقد سبق لي، في عملٍ سابق، أن شاركت في استقصاء لتحديد ملاءمة اسم تعتزم شركة نوكيا إطلاقه على أجهزتها الفخمة، وكتبت بنفسي تقريراً ذكرت فيه أن الاسم لا يحوي أي التباس لغوي أو ارتباط ثقافي سلبي بالنسبة للمستهلِكين العرب في الشرق الأوسط. وفعلاً، تم بعد ذلك إطلاق مجموعة نوكيا للهواتف الفخمة تحت الاسم الذي تم اختباره آنذاك (فيرتو).إلا أن هناك شركات عالمية قد لا تكلف نفسها مشقة البحث والتحري عند اختيار أسمائها. تخيّل أن تستقل عائلة سيارةَ دفع رباعي في صحراء السعودية تحت اسم «تــاهو».. لربما تاهوا فعلاً في الصحراء! إذاً.. كيف يمكن اختيار الاسم الأمثل للمؤسسة أو الخدمة أو المنتَج؟ الحقيقة لا يوجد قاعدة تحكم ذلك، لكن أرى أن أفضل اسم هو الذي يوصل الفائدة الرئيسية التي يحصل عليها المستفيد أو المشتري عند تعامله مع المؤسسة، أو شرائه المنتج أو الخدمة. الاسم التجاري المثالي يعبر عن صلب الفكرة التي قام عليها العمل التجاري. أسماء شهيرة نجحت لأنها تعبر عن أساس تفوقها أو خلاصة فائدتها، مثل فيديكس (السرعة)، طوارق (قهر ظروف الصحراء)، نوريبا (بنك سويسري إسلامي غير ربوي)، لَكزس (الفخامة).كما يجب مراعاة عدم اختيار اسم يمكن تصحيفه أو تحريفه بسهولة من باب السخرية (كأن يُلقِّب الناس الشركة باسم يناقض اسمها الأصلي تهكُّماً، فيُسمُّوها «انفصال» بدل «اتصال» مثلاً).

مقالة منشورة في جريدة اليوم مع شكري للآستاذ خالد السالم وموافقته على النشر

http://www.alyaum.com/News/art/12164.html

د. عبيد بن سعد العبدلي

مؤسس مزيج للاستشارات التسويقية والرئيس التنفيذي أستاذ جامعي سابق بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق