نحو ثقافة تسويقية (11) إرتفاع ألاسعار وحماية المستهلك
أدى ارتفاع الأسعار في أسواق المملكة العربية السعودية هذه الأيام إلى المطالبة بإيجاد قنوات رسمية وجمعيات أهلية لحماية المستهلك؛ تدافع عن حقوقه وتنشر ثقافة الوعي لديه وتحميه بالطرق النظامية من غش بعض التجار، وتكون قوة له أمامهم. وقد نالت وزارة التجارة والصناعة نصيباً كبيراً من انتقادات وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، وكذلك الصحافة المحلية التي لا تخلو من انتقادات لتقاعس بعض الأجهزة الحكومية فيما يتعلق بحماية المستهلك، وهناك مجموعات تبنت المطالبة بإنشاء جهات حكومية وأهلية يكون دورها حماية المستهلك.
وأعتقد أن الدور الذي ينبغي أن تؤديه مثل هذه الجهات يجب ألا يكون دوراً روتينياً؛ مثل لماذا ترتفع الأسعار، بل يجب أن يكون لها دور في مقاضاة الشركات التي تثبت ممارستها أخطاء مع المستهلكين، وطلب التعويضات المناسبة للأضرار الناتجة من تلك الممارسات، وأن تكون لديها الصلاحيات اللازمة للتشهير بالمخالفين، ويجب أن يشمل دورها أيضاً متابعة الإعلانات المضللة ومقاضاة الشركات التي تتبنى مثل تلك الإعلانات والوسيلة الإعلانية التي نشرتها.
قرأت إعلاناً في مجلة متخصصة في بريطانيا عن جهاز كمبيوتر محمول بسعر مغرٍ يقل عن سعر السوق. اتصلت عليها مستفسراً عن فارق السعر، إلا أن البائع أقنعني بأنه لا توجد لديهم أي تكاليف في التخزين ودورهم هو الوساطة بين الشركة المصنعة والمشتري، ما جعلني أرسل لهم شيكاً بمبلغ ألف جنيه إسترليني على أن أتسلم الجهاز خلال عشرة أيام. وعلى الرغم من انقضاء المدة، إلا أن الجهاز لم يصلني، ولم أجد مجيباً على أرقامهم. اتصلت على جمعية حماية المستهلك، فطلبت مني إثباتا من صورة الشيك أو رقمه، وكذلك صورة من الإعلان الذي تم نشره في المجلة المتخصصة. وعلى ضوء ذلك تم تعيين محامٍ من دون مقابل طالب المجلة التي حملت الإعلان المضلل والتي بدورها طالبت بحقي الذي تسلمته مضافة مع اعتذارهم الشديد.
عندما يتجول أحدنا في أسواقنا المحلية في المدن الكبيرة أو الصغيرة، خصوصاً في الأسواق الشعبية، يتعجب من انتشار السلع الرديئة والمقلدة والضارة صحياً وبيئياً، فنتساءل عن دور الجهات المتخصصة وغيابها الملحوظ. ومن ثم يسأل المستهلك العادي هل يستطيع التاجر أن يبيع سلعاً مقلدة أو مغشوشة؟ وهل يستطيع أن يضع السعر الذي يرغبه مقابل سلعته أو خدمته في المملكة العربية السعودية على سبيل المثال؟ الجواب النظام لا يسمح له ببيع سلع مقلدة أو مغشوشة، لكن من ناحية السعر، فإنه يستطيع أن يضع السعر الذي يناسبه في ظل التوجه الحكومي الذي ينادي بحرية السوق.
من أجل ذلك أقول عندما يضع التاجر السعر المطلوب، فهو دائماً ما يضع في حسبانه ثلاثة أمور مهمة: الأول تكاليف سلعته أو خدمته كحد أدنى؛ فلا يمكن أن يتنازل عنها إلا في حالات معينة ولأسباب قد لا تكون شريفة كطرد المنافسين الضعفاء، ولكنه لا يستطيع أن يتمادى في ذلك لمدة طويلة، وأغلب القوانين تجرم مثل هذا الفعل، ومن ضمنها القوانين السعودية، ويكمن الأمر الثاني في أسعار المنافسين، فهذا أمر لا يمكن تجاوزه إلا في حالات معينة كأن تكون سمعة التاجر أو خدماته حافزاً للشراء منه، على الرغم من ارتفاع سعره، أما الأمر الثالث والأخير المتحكم في السعر فهو رغبة العميل وقدرته على دفع السعر المطلوب.
وهذا المفهوم الذي تقوم عليه السوق الحرة، يعني في أبسط صوره إتاحة كامل الحرية للمنتج والبائع في التسعير بما يتناسب مع نوع المنافسة والمنتجات والخدمات المصاحبة، ويبقى دور الرقابة على الأسعار والسلع في الأسواق، التأكد من وضع بطاقة تعريف تشمل معلومات عن السلعة وسعرها بشكل واضح وفي مكان بارز، بحيث لا تتدخل في ارتفاع السعر أو انخفاضه، وتترك لي ولك أيها المستهلك لنقرر إما الشراء بالسعر الموضح، وإما التفاوض مع البائع، وإما عدم شراء السلعة.
والسؤال الذي أضعه بين يديك أيها القارئ الكريم؛ هل يستطيع المستهلك في السوق السعودية تقييم جميع السلع من ناحية الجودة والسعر، وهل لديه معرفة بالسلع المقلدة والمغشوشة؟
أعتقد أنه يصعب علينا كمستهلكين معرفة ذلك؛ لأن المنتجات المعروضة في أسواقنا السعودية، ولله الحمد، كثيرة لا تحصى، وتتضاعف بصورة دورية؛ فالمنتجات الجديدة تزداد والمستهلك في حيرة من أمره، مثال ذلك أن أنواع الأرز المتوافرة تبلغ (19) نوعاً، كما صرحت بذلك وزارة التجارة والصناعة، وكذلك هناك أنواع كثيرة من القهوة .ومعاجين الأسنان والسيارات وغيرها.
إن التنافس على ميزانية المستهلك السعودي يزداد، والرسائل الإعلانية اليومية التي يتلقاها تفوق الألف رسالة موزعة على إعلانات طرق وإعلانات صحف وإعلانات راديو أو عن طريق الإنترنت وغيرها، فكلها تحرض على الشراء وتقدم الخيارات المتعددة وتبيع الأحلام. ويتعرض المستهلك السعودي لأساليب بيع ملتوية وغير نزيهة في أحيان كثيرة، فأغلبنا لديه تجارب لا تحصى عن شراء منتجات فيها عيب مصنعي أو شراء سلع بوعود ضمان لا تنفذ، أو بأسعار مبالغ فيها.
لذلك فإن حماية المستهلك تؤدي دوراً مهماً في حماية الأسواق والبائعين والمستهلكين، وفي نظام اقتصاد السوق بأكمله.