تحدثنا في مواضع كثيرة عن الأسباب التي تجعل من الضروري أن تقدم الشركات خدمات جيدة لعملائها، ونرى أنه قد حان الوقت لنقف قليلاً عند الأسباب أو التبريرات التي ربما تحول بين الشركات وبين تقديم هذه الخدمات لعملائها.
فما دام أن خدمة العميل تعطي الشركات أفضلية على غيرها من الشركات المنافسة فما هي الأسباب التي تحول بينها وبين تقديمها عادة؟
وهل هناك صعوبات تعترض ذلك؟
نحن نعترف أن عمل لا شيء أسهل من عمل شيء، ومن ثم فإن خدمة العملاء لا شك أنها تحتاج إلى شيء من التضحية وبذل الجهد، وأن هناك بعض العقبات التي يجب تذليلها سواءً فيما يتعلق بصرف الأموال على هذه الخدمة أو تأهيل الموظفين وغير ذلك.
ومن أهم الأسباب التي تجعل الشركات تتهاون في تقديم خدمات جيدة:
• أن تقديم خدمة جيدة يتطلب وقتًا أطول
إنّ بعض الشركات تضن بالوقت الذي يتطلبه تقديم الخدمة الجيدة، وترى أنه وقت طويل، وينظر موظفوها إلى أنه ليس لديهم الوقت الكافي لذلك، فما يواجهونه من ضغط عمل من أجل الإنتاج أو غيره يجعلهم في شغل عن خدمة العملاء.
• خدمة العملاء مكلفة ماديًا: إنّ تقديم خدمة متكاملة للعملاء لا تتأتى (غالبًا) من دون تكلفة مادية، وإن كانت الشركة تجني منفعة مادية أكبر مقابل ما تنفقه على خدمة العملاء؛ لأن ما تتكلفه هو عبارة عن استثمار سيكون له مردوده على الشركة. ولكن بعض الشركات تنظر فقط من زاوية التكلفة التي ستتحملها في سبيل خدمة العميل، لذلك هي تتلافى تقديم خدمات جيدة للعملاء، ويغيب عنها أن الإبقاء على العملاء القدماء لا يكلفها الكثير، مقارنة بالتكلفة العالية لجذب عملاء جدد. هذا عدا أن هناك من الخدمات ما لا يكلف شيئًا. فالابتسامة في وجه العميل، وتقليل مدة الانتظار وشكر العميل وغيرها قد لا تكلف الشركة أي تكاليف إضافية. وإن كانت بعض الخدمات تحتاج إلى استثمار فهو بلا شك استثمار مجدٍ.
• تحكم عقلية نحن الأفضل: يعتقد بعض الشركات وبعض الموظفين أنهم يؤدون عملاً رائعًا بطريقتهم الحالية، فلماذا يكلفون أنفسهم أعباء التغيير، مما يجعلهم يتخلفون تدريجيًا عن ركب المنافسين دون أن ينتبهوا. ومثل هذه الشركات لا تسأل العملاء عن مدى رضاهم عن خدماتها، بل تعتمد على رأيها هي في تقرير مدى رضا العميل. وشركة بهذه العقلية لا يمكن أن تبذل الجهد المطلوب في تطوير خدمات العملاء لديها.
• ضعف الاهتمام والتعود على عدم المبالاة: ويتولد ذلك أحيانًا من فترات الطفرة التي تمر بها بعض الشركات، بحيث يصير لديها الكثير من الأعمال التي يجب إنجازها، والكثير من العملاء الذين يجب التعامل معهم، مما يضعف اهتمامها بالعملاء، ويرسخ ضعف الاهتمام بالعميل في أدبياتها، فلا تصحو من غفلتها تلك إلا بعد أن تجد نفسها خارج المنافسة، وتجد أنها مضطرة إلى محاولة تغيير العقليات التي عشش فيها عدم الاهتمام بالعميل، مما يكلفها الكثير، خاصة أن الطفرة لا تستمر وحاجيات العملاء ورغباتهم متغيرة.
• الطبيعة البشرية: هناك بعض المفاهيم الخاطئة التي تتحكم في سلوكيات بعض الموظفين في سوقنا المحلية ومن ثم تؤدي إلى ضعف اهتمامهم بخدمة العميل؛ إذ يعدّ بعضهم تقديم الخدمة للعملاء كسراً لكبريائهم، وتصغيراً لشأنهم. ومثل هؤلاء لا يصلحون في الأماكن التي تكون فيها مواجهة للعملاء. وللأسف أن بعض الشركات لا تولي هذه الناحية ما تستحقها عند اختيار موظفيها، ولا تراعيها عند توزيعهم على مواقعهم، بينما الواجب أن تراعى الفروق الفردية بين الموظفين، فبعض الناس بطبيعتهم لا يمتلكون القدرة والفاعلية المطلوبتين لخدمة الآخرين، وبعض الناس يمتلكها بالفطرة أو بالتدريب. وهذه النوعية الأخيرة هي التي يجب أن توضع في الأماكن التي تتطلب مقابلة العملاء، كما يجب ألا يتم الاكتفاء بما لدى الموظف من هذه الفئة من قدرات واستعداد فطريين، بل يجب على الشركة أن تنمي قدراته بالتدريب والتأهيل المستمرين،
مثال: مسؤول الكبير في إحدى المؤسسات الخدمية الوطنية شاهدته في حديث تلفزيوني يبرر سوء تعامل موظفي شركته مع العملاء؛ إذ قال بالحرف الواحد “هؤلاء الموظفون جزء من هذا المجتمع، الذي لم يتعود على التعامل الحسن، فهذه طبيعتهم التي اكتسبوها من المجتمع”، وجهل (أو تجاهل) أنه إن كانت هذه طبيعتهم فما دور الشركة التي تستخدمهم في تأهيلهم للعمل، وهل قامت بتدريبهم على حسن التعامل مع العملاء؟ وهل يتوقع أن شركته ستحتفظ بعملائها عندما يجدون شركة أخرى منافسة لديها طاقم مدرب على حسن التعامل وجودة الخدمة؟ أم أنه يعتقد أن هذا المجتمع الذي دربهم على سوء المعاملة يفضل أن يعامل بشكل سيئ؟!