ثقافه تسويقيهقدوة

أنسنة المدن: الرياض نموذجاً

أنسنة المدن: الرياض نموذجاً

الدكتور/ فيصل بن محمد الشريف*

كنت محضوضاً بحضور الندوة التي نظمتها أمانة منطقة الرياض بالتعاون مع المعهد العربي لإنماء المدن وبرعاية من صاحب السمو الملكي وزير الشؤون البلدية والقروية تحت عنوان (نحو مدن إنسانية صديقة للجميع … دور أمانات وبلديات المدن في تعزيز البعد الإنساني بها) بمركز الملك فهد الثقافي خلال الفترة من 14-16/5/1429هـ الموافق من 19-21/5/2008م ، حيث تم خلال الندوة استعراض بعض التجارب الإقليمية والدولية وخبرات المدن والبلديات والأجهزة المعنية في المدن العربية عن أنسنة المدن، بمشاركة عدد من المختصين من الدول العربية والمملكة، وقد صاحب الندوة زيارات لبعض المرافق التي تسهم في تعزيز البعد الإنساني بمدينة الرياض من ممرات مشاة و ساحات بلدية وحدائق الأحياء وغير ذلك.

وقبل أن أشارك في حضور هذه الندوة كنت من الذي يؤمنون بمشكلة ضعف البعد الإنساني في المدن الحديثة في بلادنا، وكنت مؤمناً بأن كل ذلك ناتج عن تخطيط المدن و تصميم البيئة السكنية، مع أني لم أكن يائساً، بل ولدي قناعة بأن التغيير ممكن إذا ما تم البحث عن السبل الأنسب لتلافي ذلك في تخطيط المدن الجديدة أو إعادة التخطيط للمدن القائمة أو أجزاء منها.

كما أنه وبطبيعة تخصصي في العمارة، وما تعلمته وأطلعت عليه في المراجع المعمارية والعلمية المتخصصة بل وبالاطلاع وعقد المقارنات بين التجارب والخبرات سواء المحلية والإقليمية والدولية، فكان يحدوني الأمل بإمكانية إيجاد البيئات والأماكن المناسبة الآمنة لتعزيز البعد الإنساني، وتحقيق مفهوم المدينة الصديقة للجميع في المملكة العربية السعودية.

ومن خلال هذه المشاركة اكتشفت أن مدينة الرياض -عاصمة وطني- تعد من أوائل المدن السعودية التي بدأت في برنامج أنسنة المدينة، والتي يدخل في إطارها ممرات المشاة والتشجيع على ممارسة رياضة المشي، حيث نفذت عدد من المشاريع في مناطق مختلفة من المدينة سواء في شوارع تجارية أو مواقع مخصصة لرياضة المشي. وكان لتلك المشاريع صدى واسعاً لدى سكان المدينة بل وتبين لي بأن أمانة مدينة الرياض من خلال هذا البرنامج لديها الخبرة في هذا المجال، بل وتعتبر بيت خبرة متخصصة وعلى مدى سنوات.

وقد قام سمو أمين مدينة الرياض بعرض نماذج من خطط أمانة الرياض ضمن برنامج أنسنة المدينة، والذي يعتمد في الأساس على تشجيع الجهات الحكومية والتي تملك مواقع مميزة وكذلك تشجيع القطاع الخاص للمشاركة في تطوير وتهيئة تلك المواقع، بما يحقق أهداف ومتطلبات الأمانة، من خلال برنامج أنسنة المدينة وذلك وفق ضوابط وآليات محددة تحقق الفائدة لجميع الأطراف، كما أن الأمانة تدعم هذا التوجه وتقدم في سبيل ذلك ما لديها من الإمكانات المطلوبة.

لقد عرض سمو أمين منطقة الرياض، فكرة أنسنة الرياض التي تبنتها الأمانة والتي انعكست بالفعل على روح المدينة خلال السنوات القليلة الماضية. ما فعلته الأمانة على سبيل المثال من إزالة لأسوار حدائق الأحياء أعاد الحياة لهذه الحدائق، فعاليات الأعياد والمناسبات أسهمت في خلق مناخ اجتماعي متفاعل بين سكان المدينة، تأهيل الطرق بشكل يخلق مساحات مريحة وآمنة للمشاة مبادرة رائعة رسخت دور التصميم الحضري الفعال في تفعيل استخدام الفراغات العمرانية من قبل كافة فئات المجتمع وليس مستخدمي السيارات فقط.

ومن تلك المشاريع أيضاً، ممر المشاة في طريق الملك عبد الله والمحاذية لموقع وزارة التربية والتعليم وجامعة الأمير سلطان وكذلك مدينة الملك فهد الطبية. كل البرامج والمشاريع التي عرضها سمو الأمين تستحق التقدير لجهود الأمانة، وترفع مستوى التوقعات والطموحات من جهاز على رأسه رجل مثل سمو الأمير الدكتور عبد العزيز بن عياف.

وبصفتي في المجلس البلدي بمكة المكرمة فإني قد اتخذت على نفسي عهدا، بأن يكون هذا التوجه في أولوياتي وسوف أعرضه على زملائي بالمجلس البلدي بمكة المكرمة، وقد قدمت الدعوة لسمو أمين مدينة الرياض ليزورنا في مكة ويقدم لنا ذلك العرض الشيق عن هذا النموذج الرائع المتمثل في مدينة الرياض المدينة الإنسانية. وكلي أمل في أن زملائي بالمجلس البلدي سيتبنون هذا التوجه في تطوير وتحديث أحياء مكة المكرمة، وفق نفس المنهجية، كما أنني أمل أن تحذو بقية أمانات وبلديات المملكة حذو أمانة الرياض، لتكون كل مدن مملكتنا الحبيبة إنسانية.

إنني كمتخصص في الهندسة المعمارية، لفت انتباهي الدقة المتناهية في التعامل مع كافة تفاصيل التصميم الحضري لمدينة يراد لها أن تكون مدينة إنسانية، ودليل على ذلك ما يتعلق بعرض الأرصفة الجانبية، فلدى الأمانة أنظمة وضوابط لذلك موجودة ضمن الدليل المعد تحت اسم “المعايير الفنية والمواصفات التنفيذية لمكونات وعناصر الطرق”، التي تسعى الأمانة من خلاله رفع مستوى السلامة المرورية وحماية وتشجيع المشاة في الأحياء السكنية والشوارع التجارية وتوفير مناطق آمنة لحركة المشاة، وكل تلك التفاصيل تتوفر في موقع الأمانة الالكتروني.

ولا شك أن وجود رجال لديهم الخبرة الواسعة والرؤية الحاذقة والفكر المستنير هم فقط القادرون على ما من شأنه تطوير مدن المملكة بشكل عام ومدينة الرياض. ولا شك أن حقيقة الأنسنة تبدأ من إعادة تشكيل الوعي “الحضري” و”المجتمعي”. والتطوير الإنساني هنا يقوم على جاذبية المكان “الجاذبية الإنسانية” كما له من جاذبية خدمية وطبيعية. وبالتالي فأن مفهوم الانسنة هنا هو مقدرة المدينة على التعامل مع سكانها واحترام إنسانيتهم.

إننا في حاجة لبناء ثقافة جديدة ثقافة الأنسنة والتي يجب أن تتبناها كافة مدننا السعودية أسوة بالعاصمة السعودية الرياض، والتي بالفعل خطت خطوات بعيدة في هذا المجال، إن مدننا لا تحتاج للخدمات بطريقة عادية تقليدية، بل لابد أن يكون هناك إستراتيجية مبنية على مبادئ الأنسنة، فلا سفلتة الشوارع  ورصفها وإنارتها فقط تكفي لتجعل من المدينة مدينة حضارية مزودة بالخدمات، بل إن البعد الإنساني يتطلب نظرة أبعد من ذلك. لذلك فإن ما تقدمه البلديات من خدمات يجب أن يكون نابعاً من وعي إنساني لا خدمي فقط، لأنه يظهر لي أن ثقافة سفلته ورصف وانارة المدن تطغى على العمل البلدي، أكثر من البحث في التركيبة الثقافية التي تجعل من المدينة إنسانية في المقام الأول، وهذا يتطلب تضافر جهود كل الجهات في بلادنا حيث ألاحظ أنه وباستثناء مدينة الرياض، لا يوجد تنسيق واضح الأهداف لتوحيد الجهود في هذا الاتجاه. وخلاصة القول، فإن مدينة الرياض نموذجاً حياً يجب أن يحتذي في سبيل أنسنة المدينة السعودية.

* نائب رئيس المجلس البلدي بمكة المكرمة وأستاذ العمارة المساعد بجامعة أم القرى

(شكرا دكتور فيصل لمشاركتنا في هذه المقالة التي تصب في خانة تقديم الخدمات وهي موضوع مهم من المواضيع التسويقية التي تهتم بها هذه المدونة)

الوسوم

د. عبيد بن سعد العبدلي

مؤسس مزيج للاستشارات التسويقية والرئيس التنفيذي أستاذ جامعي سابق بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق