عفوا لايوجد بنزين!
الصورة من جريدة شمس
كمستهلكين عاديين نتوقع أن نجد السلع الضرورية في الوقت والمكان المناسبين. وتحدث أحيانا لسوء تخطيط أو لعدم معرفة بتوقعات الطلب بنقص في هذه المادة أوتلك. البنزين سلعة أساسية تهم مصالح الناس. فتخيل عندما تذهب لمحطة بنزين وأنت في طريق سريع ولاتجد البنزين، تخيل سفر ضروري وتتعطل بسبب عدم وجود البنزين. قد تقولون إن هذه ليست ظاهره ولكن سؤالي هل حدثت لكم فعلا. نشاهد في التلفاز طابور سيارات طويل أمام محطات البنزين في دول العالم المختلفه ولانلقي لها بالا لأننا لسنا جزء من المشكلة. البارحة حدث لي ذلك في أكثر من محطة لايوجد بها بنزين 95 وحدث لي في صيف العام الماضي على طريق الرياض الطائف أيعقل ذلك؟ في بلد الطاقة، لم أصدق قلت لنفسي قد يكون العامل لايجيداللغة العربيه، ذهبت لمحطة أخري نفس الجواب لايوجد بنزين 95. لابد إن الموضوع فيه لبس ،العامل يقول لي بلغة ركيكه بابا هذا ارامكو فيه مشكلة. أيعقل ذلك في بلد نفطي يوجد لدينا عجز؟ تقول الاحصائيات إن ارامكو تنتج من البنزين مايقارب 351 الف برميل يوميا وهناك عجز بمقدار 49 الف برميل يوميا تعوضه ارامكو بالاستيراد من الخارج. . هل معلومات عن ارامكو مغلوطة الى ذلك الحد، هل فعلا نستورد البنزين ومن إي دولة؟ أسئلة كثيره تحتاج الى جواب من ارامكو، شركتنا العزيزة، المفخره التي نتباهى بها في الانضباط والحرص على التميز. هل نفرح بالصيف ام نعاني منه؟ صحيح إن البنزين لدينا رخيص جدا فنحن في المرتبة الثالثة بعد إيران وفنزويلا في اسعار البنزين. صحيح انه لايوجد وسائل نقل عام فاعلة تخفف من استخدامنا لسياراتنا. صحيح إن العامل البسيط لدينا يستطيع أن يملك سيارة رخيصة يجوب ويلوث بها شوارعنا وبئيتنا. ولكن هل من المعقول أن نعاني من سوء التخطيط في أمور حياتنا.
تقوم المملكة باستيراد جزء من احتياجها من البنزين من بعض الدول المجاورة كالكويت والإمارات لسد الاستهلاك المحلي وهو أمر ليس بجديد ولا بمستغرب فالمسألة كانت اقتصادية بحتة تقوم على قاعدة أيهما أوفر أن تبنى مصافي جديدة لسد الحاجة من البنزين أم أن يتم استيراده من الدول المجاورة التي تمتلك فائضا في تكرير البنزين؟ والخيار وحتى وقت قريب كان دائما هو الثاني. أما مؤخرا فقد قامت شركة ارامكو بترسية مناقصتي بناء مصفاتين احداهما في مدينة الجبيل والأخرى في مدينة جازان من اجل استيعاب النمو الكبير الذي ستشهده المملكة في الطلب المحلي على الطاقة خلال العشر سنوات القادمة وذلك بعد اكتمال انشاء البنى التحتية الجارية الآن من مدن جديدة وطرق ومبان ومصانع ومطارات وشبكات قطارات ومؤسسات مالية وتجارية وتعليمية ووحدات سكنية وما سيصاحب ذلك من زيادة في عدد السكان.
ربما يتبادر في ذهن البعض السؤال التالي؟ بما أن المملكة صاحبة أكبر احتياطي للنفط وكذلك أكبر منتج لهذه المادة الحيوية المطلوبة في جميع أصقاع العالم لماذا إذا لم تقم شركة ارامكو في السابق ببناء هذه المصافي فيؤخذ من المشتقات ما تحتاج المملكة إليه داخليا ويصدّر الباقي وحتما هناك من سيشتريه مهما كان هذا الفائض كبيرا؟ السؤال يبدو منطقيا من الناحية النظرية ولكنه في أرض الواقع هو غير عملي البتة لأن المصافي يجب أن تكون قريبة من مناطق الاستهلاك قدر الإمكان وإلاّ فإن تكلفة المشتقات النفطية المكررة ستصبح عالية جدا في حال بعدها عن مناطق الاستهلاك ولسببين رئيسيين. السبب الأول هو يتعلق بكلفة النقل، فنقل النفط وهو خام عبر السفن أسهل وأرخص من نقله مكررا، فبعد تكرير النفط تتشكل منتجات نفطية كثيرة يفوق عددها العشرة كالإسفلت والديزل والكيروسين والبنزين وغيرها. في هذه الحالة سيحتاج كل منتَج من هذه المشتقات إلى ناقلات بحرية أو حتى خطوط أنابيب مستقلة تتلاءم مع خصائصه الفيزيائية والكيميائية. بالتالي فإن عدد ناقلات المشتقات النفطية وخطوط الأنابيب سيتضاعف وبشكل كبير وسيؤدي ذلك إلى زيادة كلفة المنتجات النفطية على المستهلك. أما السبب الثاني فيتعلق بموضوع تكلفة التخزبن، فالدول المستهلكة للنقط لا تقوم باستهلاك جميع ما تستورده من نفط خام دفعة واحدة بل تقوم باستهلاكه على دفعات فقوم بتخزين ما لا تحتاجه آنيا في باطن الأرض وتستخرجه وقتما شاءت ليتم نقله إلى المصافي لتكريره ومن ثمّ نقل المشتقات المكررة إلى المستهلك النهائي الذي يستهلكها مباشرة . أما في حال لو قامت هذه الدول باستيراد مشتقات نفطية مكررة فسيتعذر عليها في ذلك الوقت تخزينه في باطن الأرض وستضطر لبناء خزانات ضخمة لكل منتج وكل خزان بالتأكيد سيتطلب كلفة تشغيل مستمرة سواء كانت قيمة استهلاك أو أعمال صيانة أو إصلاحات أو وحماية بالإضافة عدد كبير من القوى البشرية المشرفة على التشغيل. إذا التخزين سيزيد من الكلفة على المستهلك في حال كان الإستيراد لمنتجات مكررة وليس نفطا خاما.
اعتقد أن استيراد المملكة للبنزين لم يكن قرارا خاطئا وإنما المعطيات الإقتصادية وحتى وقت قريب كانت تدفع لهذا الخيار وبمجرد أن بدأت الحاجة تستدعي التغيير مدعمة بجدوى اقتصادية ووفرة مالية فإن المسؤولين قد ساروا في خيارات جديدة وما هي إلاّ مسألة وقت ونرى ثمارها بإذن الله.