العناية بالعملاءتطوير الذاتنصائح تسويقية

الإستثمار في الموارد البشرية والعناية بالعملاء

يجب على شركاتنا  الإستثمار في الموارد البشرية لمصلحة العملاء، ولا يكفي أن يكون هناك توجه في الشركة إلى العناية بالعملاء، ولا يكفي وضع الأنظمة الكفيلة بذلك، بل الأهم أن يكون هناك اهتمام بالموظفين الذين يكونون إما في الواجهة وإما في المساندة. ولا يكفي اختيار الأكفاء، بل يجب إعطاؤهم الصلاحيات اللازمة لاتخاذ أي قرار يرونه مناسبًا للعناية بالعملاء والاهتمام بهم. وإعطاء الصلاحيات المطلوبة يحتاج إلى التزام من الشركة وتغيير في سياستها وطريقة إدارة عملياتها وهيكلها التنظيمي وعدد ساعات الدوام بها وعمل تدريبات للموظفين إن كان الأمر يتطلب كل ذلك.

كما تجب العناية بنظرة العاملين إلى أنفسهم وإلى ما يقومون به، مع منحهم مزيدًا من الثقة في أنفسهم وفي الأدوار المنوطة بهم ليتمكنوا من التفاعل معها بما يحقق مزيدًا من خدمة العملاء والعناية بهم.

وكل هذا يحتاج إلى وقت وجهد وتكاليف مادية يجب أن تتحملها الشركة عن طيب خاطر، ولا تنظر إليها بوصفها تكاليف إضافية، بل استثمار طويل الأجل، وبما أنه (لا دخان من دون نار) كما يقول المثل، فإنه لا يمكن الحصول على نتائج جيدة وتحقيق سياسة ناجحة في العناية بالعملاء دون تكاليف مادية وتعب واستثمار طويل المدى في العنصر البشري.

وعلى شركاتنا أن تكون على علم من أن النتائج المرجوة من تدريب الموظفين وجعلهم يشاركون في تحقيق أهداف الشركة وتطورها وتقدم خدماتها ستكون كبيرة.

إن ضعف الاهتمام بالعنصر البشري يعدّ من الأمور التي تعاب على بعض الشركات في لدرجة أنك ربما تجد خانة التدريب في سجل الشركة صفراً، مما يجعلها تفقد أي ميزة تنافسية. و المقولة التي تنسب إلى رجل أعمال ، وهي:” خذ كل ما أملك من أموال ولكن اترك لي فقط رجالي وسوف أعود إلى ما كنت عليه خلال مدة وجيزة ” صحيحة مائة في المائة ومضمونها أن العنصر البشري هو الأساس في أي عملية تجارية أو تنموية. ومع ضعف اهتمامها بالتدريب فإن بعض شركاتنا تضيف ضغثًا على إبَّالة، ولا تعير أي اهتمام إلى اختيار الموظفين الأكفاء ما دامت غير مستعدة لتدريب موظفيها.

ولا تسأل عن الصورة السيئة التي سيتسبب فيها هؤلاء الموظفون غير المؤهلين الذين لا تبذل الشركة أي جهد في تدريبهم. وكم قابلت شخصيًا من موظفين تضعهم شركاتهم في مواجهة عملائها مع أنهم يفتقدون أدنى مقومات الكفاءة، يظهر ذلك في تعاملهم مع العميل، فتراهم لا يعيرونه أي اهتمام، وتجدهم يتشاغلون عنه بأي شيء أمامهم، من هاتف أو خلافه.

والحقيقة أنني لا ألوم هؤلاء، لأنني أعتقد أن سبب هذا أنهم يفتقدون أي تشجيع ولا يتلقون أي تدريب، كما أنهم ربما لا يعرفون حتى أهداف شركتهم التي تسعى إلى تحقيقها، وتجدهم يعملون الأوقات الطويلة دون بدلات أو زيادة في مرتباتهم. وقد تكون شركتهم لا تميز أصلاً بين المجتهد منهم والمقصر. وكل هذا خطير؛ لأنه لا يشجع الموظف على الإنجاز، ويجعله لا يحرص على مصالح شركته.

فيجب على شركاتنا الحذر من كل هذا وإعطاء موظفيها ما يستحقونه من عناية واهتمام حتى يكافئوها بمنجزات ترضي عملاءها. ولا ننسى ما قلناه سابقًا من أن الاهتمام بالعميل الداخلي هو أساس نجاح أي شركة، خاصة أن العميل لا يقابل الإدارة العليا عادة، وإنما يكون على احتكاك دائم مع موظفين يمثلون مواقع أدنى في الهرم الإداري.

وينبغي أن تبتعد الإدارة العليا عن الإدارة بأسلوب التحكم، وأن تعتمد أسلوبًا مرنًا يجعل الموظف الصغير يؤدي عمله على أفضل وجه. وعندما تمارس الإدارة العليا أسلوب التحكم في الموظفين فإنها بذلك لا تشجعهم على الإبداع، ولا تحفزهم على العمل، بل تصنع منهم موظفين خاملين لا يرغبون في العمل، ولا يوجد لديهم أي حافز، كما أنهم مع الوقت يفتقدون أي انتماء إلى الشركة.

وعلى الشركة كذلك أن تتأكد من أن لدى موظفيها المستوى نفسه من الوعي والإحساس بالمسؤولية تجاه العناية بالعملاء، وأن تجعلهم يفهمون دورهم المنوط بهم في هذه الناحية، وهو في الحقيقة دور أساسي في أي عملية تخص العناية بالعملاء.

وفي العادة عندما يتعامل الموظفون مع العملاء، فإنهم مطالبون بعمل ربما أكثر مما هو مطلوب منهم. فمن أجل تحقيق رغبة العميل والعناية به قد يعمل الموظف أشياء لا تكون من صميم عمله ومتطلبات وظيفته، لذلك يجب على الإدارة العليا الابتعاد عن البيروقراطية والتوسع في إعطاء الصلاحيات.

وكما أسلفنا القول فإنه لصعوبة وجود موظفين أكفاء، ولما يسببه الاحتكاك بين الموظف والعميل من الخروج بانطباع قد لا يكون في مصلحة الشركة بدأت بعض الشركات في استخدام التكنولوجيا للتقليل من زيارة العملاء للشركة، وتوفير خدماتها عن بعد. وخير دليل على ذلك ما نشاهده في خدمات البنوك عن طريق مكائن الصرف الآلي والإنترنت وغيرها، وما نشاهده أيضاً لدى شركات الطيران من جعل العميل يشتري ويحجز عن طريق الإنترنت.

وأعتقد أن السوق السعودية سائرة في هذا الطريق. ولكن لا يعني كل ذلك إهمال دور العنصر الإنساني في الاتصال الشخصي، بل يبقى هو الأهم مهما كان مطلوبًا، ومستوفيًا للشروط المطلوبة لنجاحه، وخصوصاً أن كثيرًا من العملاء يفضلون التعامل مع بشر يعطي ويأخذ ، بدلاً من مكائن صماء لا تفقه القول ولا تعترف بالأحاسيس.

وعلى الشركة ألا تقلل من أهمية تدريب موظفيها في جانب التعامل مع العملاء كبشر لهم احترامهم، مهما سخرت من الوسائل التكنولوجية لتقديم خدماتها.

ومما يؤسف له أنك ترى بعض موظفي الشركات يتعاملون مع العملاء بكبرياء وصلف خاليين من كل ما ينم عن أدنى نوع من الاحترام. وقد يعود السبب في ذلك إلى إهمال الإدارة العليا لعنصر التدريب، وقد يكون لاحتكار السوق الذي كان سائدًا في كثير من الخدمات دور في ذلك، مما يجعل العميل ضعيفًا، يدفع نقوده مقابل الخدمة وكأنه يستجدي الموظف، مع أن المفترض أن يكون العكس هو الصحيح. لذا ينبغي أن يحذر الموظف من اليوم الذي قد يجد فيه نفسه من دون عمل؛ وذلك بسبب سوء تصرفه مع العميل.

وقد تجد بعض موظفي الشركات طيبين، ويبذلون قصارى جهدهم في مساعدة العملاء، ويقدمون لهم كل ما لديهم، عندما يطلبون منهم ذلك من دون أن تأتي المبادرة من الموظف، ويقوم بتقديم الخدمة قبل أن يطلبها العميل. ومن خبرات ودراسات سابقة نجد أن بعض العملاء يترددون كثيرًا في السؤال ويبدون ضائعين، لذا يجب على الشركة تعيين موظفين يكون دورهم هو مساعدة هؤلاء الأشخاص.

وعلى الشركة أن تدرب موظفين أكفاء، ذوي عقليات متفتحة، يستطيعون التعامل مع جميع العملاء بمعيار واحد، ولا يفاضلون بين عميل وآخر.

ومن الملاحظات التي ألحظها أحيانًا أن بعض الموظفين جيدون ويؤدون خدمة عالية لبعض العملاء، ولكنك تجد الموظفين أنفسهم يتعاملون بشكل سيئ مع عملاء آخرين. وهذا راجع إلى أن لديهم موازين شخصية لخدمة العميل لا تقتصر على مجرد أنه عميل للشركة، فهم يميلون إلى نوع معين من العملاء ، وذلك لعلاقتهم الشخصية بهم، أو لأنهم يرتاحون إليهم أكثر، وينفرون من نوع آخر لأي سبب كان. وهذه التفرقة خطيرة جداً على سمعة الشركة.

إن على الشركة مراقبة مثل هذه المسلكيات، وتدريب العاملين لديها على التعامل مع الكل وفي كل الظروف بمعيار واحد، هو الحرص على العناية بالعميل بصفته عميلاً للشركة بغض النظر عن نوعه وجنسه. وهذا التدريب يجب أن يكون مستمرًا ومنهجيًا ولا يكون مجرد ردة فعل، وأن تهيئ له الجو المناسب للنجاح، وأن تبث في العاملين لديها روح الفريق الواحد والمصلحة العامة، وأن يكون الشعار المتبع من الموظفين كافة هو “عامل العميل كما تحب أن تعامل” ، فالموظف هو في الوقت نفسه عميل للشركة، وعليه أن يعي هذا الدور جيدًا، وأن يعامل كل العملاء بكل لطف وعناية كما يحب أن تعامله شركته بكل لطف وعناية.

د. عبيد بن سعد العبدلي

مؤسس مزيج للاستشارات التسويقية والرئيس التنفيذي أستاذ جامعي سابق بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق